الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخلاق بين الطبع والتطبع :
وكما يكون الخُلقُ طبيعة , فإنه قد يكون كسبًا , بمعنى أن الإنسان كما يكون مطبوعًا على الخلق الحسن الجميل , فإنه أيضًا يمكن أن يتخلق بالأخلاق الحسنة عن طريق الكسب والمرونة .
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :" إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمِ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا قَالَ « بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا ». قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ.(33)
فهذا دليل على أن الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعًا وتكون تطبعًا , ولكن الطبع بلا شك أحسن من التطبع , لأن الخلق الحسن إذا كان طبيعيًا صار سجية للإنسان وطبيعة له , لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف , ولا يحتاج في استدعائه إلى عناء ومشقة , ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء , ومن حُرم هذا - أي حُرم الخلق عن سبيل الطبع - فإنه يمكنه أن يناله عن سبيل التطبع , وذلك بالمرونة , والممارسة ، ومجاهدة النفس لابتغاء مرضاة الله ، وثق بأنه سيوفقك الله إلى أحسن الأخلاق، لقوله تعالى:" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69){العنكبوت:69 }.(34)
يقول الإمام ابن كثير في"تفسيره" { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا } يعني: الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، وأصحابه ،وأتباعه إلى يوم الدين { لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } ، أي: لنُبَصرنهم سبلنا، أي: طرقنا في الدنيا والآخرة.
وأيضا في جزء من حديث للنبي عليه الصلاة والسلام يقول فيه إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم
وعن عبد الله رضي الله عنه قال : إنَّ الله تعالى قَسَمَ بَينَكُم أَخلاقَكُم كَما قسمَ بَيْنَكُم أَرزَاقَكُم ، وإنَّ الله تَعالى يُعطِي المَالَ مَن أَحَبَ ومَن لا يُحِبُّ ، ولا يُعْطِي الإيمانَ إلا مَن يُحِبُ ، فَمَن ضَنَّ بالمَالِ أنْ يُنْفِقَهُ ، وخَافَ العَدوَّ أنْ يُجَاهِدَهُ ، وهَابَ الليلَ أنْ يُكَابِدَهُ ، فَليُكْثِر مِن قَول : لا إِلهَ إِلا الله ، وسُبْحَانَ الله ، والحَمدُ لله، والله أَكْبَرُ ).(35)
صلاح عامر