ارب اجعلنا لدينك ناصرين .
إخواني الكرام ... إخوة الإسلام ، إننا نعيش في عصر كثر فيه التخبط في المعتقدات ، والانحراف في السلوكيات فأصبحت على طول الخط توصف سلوكيات كثير من المسلمين بالشاذة عن منهج الله تعالى ، و أصبحت الإنسانية حائرة لا تدري من تتبع و من تترك ، من تصدّق ، و من تكذّب ، تنتظر من ينتشلها من هذا الحضيض الذي وصلت إليه ، و ليس لها بعد الله إلا فوارس الإسلام الذين حملوا على عاتقهم مهمة نشر الدعوة الإسلامية إلى الناس كافة فلم يخصوا بها قوما دون قوم ، و لا لونا دون آخر ، بل ديدن عملهم في حقل الدعوة إلى الله هو الامتثال لقوله تعالى : [أدع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ] ، و قوله عزَّ من قائل : [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ] ولقوله صلى الله عليه وسلم : (بلغوا عني ولو آية ) .
فالتبليغ عن الله ليس إذن مهمة فئة دون أخرى ، فالإنسان بطبعه داع إلى ما يعتقد أنه الحق ، وتشرَّف المسلمون بأن كانوا هم الدعاة إلى الله بحق ، يوصلون شمس الإسلام الساطعة إلى القلوب التي أظلمت بالجهل وغشَّاها سحاب كثيف من الأوهام المادية فحجبها عن الرؤية الواضحة لهؤلاء الدعاة الصادقين ، فحسبتهم مرَّة قطَّاع طرق ، و أخرى بأنهم إرهابيون مصاصو دماء ، إلى غيرها من التوهمات الباطلة ، و لكن سيأتي اليوم الذي تعرف فيه البشرية أنها لم و لن تعرف أرحم بها من أصحاب الدعوة الحقة أتباع النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ،
الذين هم قبس من نوره ، يشع في كل مكان حلوا فيه ، فابتعدت بكرههم و تشويه سمعتهم عن منبع الوحي الصافي
الذي يقود إلى الخير و يهدى للتي هي أقوم ، و حتى يقوم دعاة الإسلام بهاته المهمة التي تنوء بحملها الجبال خير قيام ، لا بدا لهم من زاد في هذا الطريق الشاق الطويل الذي يوصل بإذن الله عزَّ و جلَّ إلى رضوانه ومحبته ، و لهذا جاءت هاته الكلمة لتبين بعض ملامح هذا الزاد الضروري لأبناء الإسلام و الدعاة إليه في كل مكان ، آملا من الإخوة المطلعين أن يدلوا بدلوهم في هذه المسألة الهامة و سوف أركز على ثلاثة عناصر أراها مهمة في هذا العصر المضطرب ، و بالله التوفيق و عليه التكلان ، فسبحان من لا يُخيّب داعيا و لا لرحمته راجيا .
أولا :الإيمان الجازم بأن الإسلام هو دين الله عزَّ و جلَّ .
قد يظن بعض الإخوة لأول وهلة ، أنه ما من مسلم إلا و يعلم أن الإسلام هو دين الله وشرعه الذي أنزله على خاتم الرسل صلى الله عليه و سلم ، ليسعد الناس به في الدنيا بالاحتكام إليه ، و في الآخرة بأن يوصلهم إلى مرضاة الله تعالى .
و أبادر فأقول لست أعني ذلك ، و لكنني أردت أن يوقن الداعية إلى الله عز و جل أنه حين يتكاثر الأعداء ، و يجلبون بخيلهم ورجلهم من كل ناحية ، و حين تُشوَّهُ الحقائق المستمدة من كتاب الله و سنة رسوله ، وتصل الأمور إلى حد أن ييأس الدعاة من جدوى الدعوة و مردوديتها و أنهم تركوا لمصيرهم ، و أنه لا أحد استجاب لهم ، و أن المجتمع نبذهم و اتجه للملذَّات و الشهوات ، و أنهم أحيط بهم ، حينئذ على هؤلاء الدعاة أن يتذكروا أن هذا الدين الذي يدعون إليه و يستميتون في إظهار محاسنه هو دين الله عز و جل ، وهو الذي يحميه من كيد الأعداء ، و ما على الدعاة إلا الإقبال على الله إخلاصا له سبحانه ، و تحقيقا لصفة العبودية الحقة ، و الثبات على الحق ، و لن نصل إلى هذا اليقين الجازم حتى نفرغ الدعوة من حظوظنا النفسية ، و مصالحنا الشخصية ، عندها فقط يصدق فينا قوله تعالى : [وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، و ليمكننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ] .
ثانيا:اليقين بأن ما يقع في هذا الكون هو بتقدير الله تعالى .
إنه حينما يصل الإيذاء من شياطين الإنس ، و عبيد الدنيا إلى عباد الله الموحدين ، تتزلزل النفوس الضعيفة ، و يجد إبليس الملعون فرصته السانحة ليوسوس في صدور المؤمنين بأنكم لو كنتم على حق لنصركم الله ، ألستم تدعونه وتعبدونه فلم لا يستجيب لكم ، فتثير هذه الوسوسات اضطرابا في نفس المؤمن لا ينجيه منها إلا اعتصامه بالله و إيمانه الصادق ، وعلى الدعاة في هذا الوقت الحرج أن يتذكروا ما حصل للطائفة المؤمنة في غزوة أحد ، فلقد كانت درسا عظيما لهم وزادا لما أتى
بعد ذلك ، ثم ليعلم الإخوة أن ما قدَّره الله كائن لا محالة ، وهو خير لنا و إن ظهر في مظهر الشر للنفوس ، و اقرؤوا قوله تعالى :
[وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ] .
فإذا صححنا نظرتنا تجاه ما يقع ، و ربطنا الوقائع بخالق هذا الكون ، نوقن أن ما وقع و يقع للمسلمين هو لحكمة قد ندركها و قد لا ندركها ، فما علينا إلا أن نسلم لله أولا ثم العمل المتواصل الدؤوب . و أن نجعل دعوتنا مقترنة بالعلم و الإخلاص لوجه الله تعالى ، ثم الله يتولى الباقي .
ثالثا :أنَّ النصر ليس مقتصرا على الانتصار العسكري .
يعتقد الكثير من الناس أن النصر له صورة واحدة ، وهى الانتصار في المعركة الميدانية ، ونحن لا ننكر أهمية هذه الصورة ، و لكن أريد أن ألفت نظر إخواننا أن هناك صورا أخرى من صور النصر لا يفطن لها كثير من عباد الله ، و هي من صميم صور النصر ، و لنضرب على ذلك بعض الأمثلة :
انتصار العقيدة التي ندعو إليها :
فما دمنا دعاة للإسلام فلنفرض أننا لم ننتصر في معركة عسكرية ، ولكن خصمنا اقتنع بديننا و دخل فيه ، أليس هذا من النصر الذي يباركه كل مسلم ، و لنذكر ما حصل مع التتار الذين هزموا المسلمين شر هزيمة في مواقع كثيرة ، و لكنه لم تمضي عليهم فترة وجيزة حتى دخلوا في دين الأمة التي حاربوها و قتلوا أبناءها ، و خربوا ديارها ، لمَّا رأوا في هذا الدين من نقاء وقوة إلهية لا تقاوم فأعلنوا الإسلام ، بل و صاروا دعاة إليه في آسيا بأسرها .
استشهاد قائد المعركة :
قد يقتل قائد للمسلمين في أرض المعركة فيظن بعض الناس أن هذا من أبلغ الهزائم ، و لنستمع إلى توجيه الله تعالى لهذه المسألة ، قال سبحانه موجها و مبينا هذا الأمر العظيم :
[ وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلتْ من قبله الرُسُل أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ، و من ينقلب على عقبيه فلن يضرَّ الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين] .
فيا أيها الإخوة نحن دعاة إلى الله عز و جل ، نعلن أمام العالم كله عقيدتنا وديننا ، فمن قتل منا ففي ركب مصعب بن عمير و زمرته المرضية ، أو أوذي ففي سبيل الله لا يخيب سعيه ، و كل من قدَّم شيئا لدينه فأجره على الله و سيجزى الله الشاكرين .
فموت القائد والدعاة يزيد الدعوة ألقا و وهجا و صدقا في نظر المدعوين ، لأنها ليست دعوة لمصلحة شخصية ، أو مغانم دنيوية يتنافس عليها أصحاب الدنيا ، بل هي طريق الأنبياء و المرسلين الموصلة إلى الله عز و جل .
إن الغاية من الدعوة هو إقامة الحجة على الناس كافة ، وهذا يتم بالبلاغ المبين ، و وصول الدعوة إلى الناس كافة ، ثم بعد ذلك قد لا يستجيبون لها أو قد يكذّبون بها .
المهم أنك قد بلَّغْتَ و أقمت الحجة ، ثم لا تنتظر جزاءً من الناس ولا شكورا إلا من خالقك عز و جل . [وما على الرسول إلا البلاغ المبين ] .
وعسى الله أن ينفع بهاته الكلمات من يؤمن بالله و اليوم الآخر ، و يجعلها في ميزان حسناتنا ، و ينصر بها ديننا ، و يرفع بها رايتنا ، و يفتح بها قلوبا عليه غشاوة ، و يسعد بها مؤمنا عنده في نفسه ما عند كاتب هذه الكلمات . و الله الموفق لا رب سواه .