7- اختيار الاسم الحسن:
على المسلم أن ينتقي من الأسماء أحسنها وأجملها؛ تنفيذًا لما أرشد إليه وحضَّ عليه المصطفى - صلى الله عليه وسلم؛ فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنكم تُدْعَون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم))[10].
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أحب أسمائكم إلى الله - عز وجل - عبدالله وعبدالرحمن))[11].
8- العقيقة:
عن سلمان بن عامر الضبي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دمًا، وأميطوا عنه الأذى))[12].
وعن أم كُرْز - رضي الله عنها - أنها سألتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة، فقال: ((عن الغلام شاتانِ، وعن الجارية شاة واحدة))[13].
9- التربية الإسلامية المتكاملة:
على الآباء والأمهات أن يعلموا أن أمر التربية ليس بالأمر اليسير، وإنما هو المحرِّك الأساسي لسلوك الولد فيما بعد؛ ولذا كان يجب على المربِّين - سواء كانوا آباء، أو أمهات، أو معلمين - أن يهتموا بأمر التربية ويتقنوا أصولها، ولقد كان المسلمون الأوائل ينتقون لأولادِهم أفضلَ المؤدِّبين علمًا، وأحسنهم خلقًا، وأميزهم أسلوبًا وطريقة؛ وإليك طرفًا من أخبارهم[14]:
• روى الجاحظ أن عتبة بن أبي سفيان لما دفع ولدَه إلى المؤدِّب قال له: (ليكنْ أول ما تبدأ به من إصلاح بنيَّ إصلاح نفسك، فإن أعينَهم معقودة بعينك؛ فالحَسَنُ عندهم ما استحسنتَ، والقبيح عندهم ما استقبحتَ، وعلِّمهم سِير الحكماء، وأخلاقَ الأدباء، وتهدَّدهم بي، وأدِّبْهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، ولا تتكلنَّ على عذر مني، فإني اتكلتُ على كفاية منك.
• وروى ابن خلدون في مقدمته أن هارون الرشيد لما دفع ولده الأمين إلى المؤدِّب قال له: (يا أحمر، إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجةَ نفسه، وثمرةَ قلبه، فصيِّر يدَك عليه مبسوطة، وطاعتك له واجبة، فكنْ له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن، وعرِّفه الأخبار، وروِّه الأشعار، وعلِّمه السنن، وبصِّره بمواقع الكلام وبَدْئه، وامنعْه من الضحك إلا في أوقاته، ولا تمرنَّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها، من غير أن تحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته، فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوِّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإنْ أَبَاهما فعليك بالشدة والغلظة).
• وقال عبدالملك بن مَرْوان ينصح مؤدِّب ولده: (علِّمهم الصدق كما تعلِّمهم القرآن، واحملْهم على الأخلاق الجميلة، وروِّهم الشعر يشجعوا وينجدوا، وجالسْ بهم أشراف الرجال وأهل العلم منهم، وجنِّبهم السفلة والخدم؛ فإنهم أسوأ الناس أدبًا، ووقِّرهم في العلانية، وأنِّبهم في السر، واضربْهم على الكذب؛ فإن الكذب يدعو إلى الفجور، وإن الفجور يدعو إلى النار).
• وقال الحجاج لمؤدِّب بَنِيه: (علِّمهم السباحة قبل الكتابة، فإنهم يجدون مَن يكتب عنهم، ولا يجدون مَن يسبح عنهم).
• وكتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لأهل الشام يقول لهم: (علِّموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية).
• وقال أحد الحكماء لمعلِّم ولده: (لا تخرجْهم من علم إلى علم حتى يحكموه؛ فإن اصطكاك العلم في السمع، وازدحامه في الوهم مضلة للفهم).
• ومن وصية ابن سيناء في تربية الولد: (أن يكون مع الصبي في مكتبه صِبْية حسنةٌ آدابُهم، مرضية عاداتهم؛ لأن الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ، وبه آنس).
• قال هشام بن عبدالملك لسليمان الكلبي مؤدِّب ولده: (إن ابني هذا هو جلدة ما بين عيني، وقد وليتُك تأديبه، فعليك بتقوى الله، وأدِّ الأمانة، وأول ما أوصيك به أن تأخذه بكتاب الله، ثم روِّه من الشعر أحسنَه، ثم تخلل به في أحياء العرب، فخذْ من صالح شعرهم، وبصِّره طرفًا من الحلال والحرام، والخطب والمغازي).
أصول التربية[15]:
لا بدَّ للمربِّين من معرفة أصول التربية الإسلامية، والإلمام بجميع جوانبها؛ حتى يقوموا بها خير قيام، ويُعِدوا لنا الجيل الذي يعود بالأمة المسلمة إلى سيرة الأسلاف الكرام، الذين سادوا الأرض بعزة الإيمان؛ وهاكم أصولها:
أولاً: التربية الإيمانية:
المقصود بالتربية الإيمانية ربط الولد منذ تعقُّله بأصول الإيمان، وتعويده منذ تفهُّمه أركان الإسلام، وتعليمه من حين تمييزه مبادئ الشريعة الغراء.
1- تعليمه أصول الإيمان:
مثل: الإيمان بالله - سبحانه - والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل.
الإيمان بسؤال الملكين، وعذاب القبر، والبعث، والحساب، والجنة والنار، وسائر المغيبات، وتعليمه أركان الإسلام؛ مثل: الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج.
وتعليمه مبادئ الشريعة؛ مثل: أقضية الإسلام، وأحكامه، وقوانينه، ونظمه؛ وينتج عن ذلك عدة أمور:
1- حب الله - تعالى -:
وذلك بلفتِ نظر الطفل إلى نِعَم الله التي لا تعدُّ ولا تحصى؛ فمثلاً: لو جلس الوالد مع ولده على الطعام، فقال له: هل تعلم - يا بني - مَن أعطانا هذا الطعام؟ فيقول الولد: مَن يا أبتِ؟ فيقول الأب: الله، فيقول الولد: كيف؟ فيقول الأب: لأن الله هو الذي يرزقنا، ويرزق الناس جميعًا، أو ليس هذا الإله بأحق أن تحبه يا ولدي؟ سيجيب الولد: بلى.
ولو مَرِض الولد مثلاً عوَّده الوالد على الدعاء، يقول له: ادعُ الله أن يشفيَك؛ لأنه هو الذي يملك الشفاء، ثم يُحضِر له الطبيب، ويقول له: هذا الطبيب سبب فقط، ولكن الشفاء من عند الله، فإذا قدَّر الله له الشفاء يقول: اشكرِ الله يا ولدي، ثم يبيِّن له فضل الله فيحبه؛ لأنه هو الذي أكرمه بالشفاء، وهكذا في كل مناسبة وعند كل نعمة تربطها بالمنعِم حتى يغرس حب الله في قلب الولد الصغير.
2- حب الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
وذلك بتعليمه مواقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشجاعته، ووفاءه، وحِلْمه، وكرمه، وصبره، وإخلاصه، وبهذا يحب الولدُ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم.
3- مراقبة الله - تبارك وتعالى -:
وذلك لأنه يعلم أن الله مطَّلع عليه في كل حركة وسكنة؛ فسيراقبه ويخشاه، ويخلص في عمله ابتغاء مرضاة الله.
4- تعليمه أحكام الحلال والحرام:
وذلك لأن المربِّي سيبيِّن له الحرام حتى يجتنبه، والحلال المباح كي يفعله، والآداب الإسلامية كي يمتثلها.
وخلاصة القول:
إن مسؤولية التربية الإيمانية لدى المربِّين والآباء والأمهات؛ لهي مسؤولية هامة وخطيرة، لكونها منبع الفضائل، ومبعث الكمالات، بل هي الركيزة الأساسية لدخول الولد في حظيرة الإيمان، وبدون هذه التربية لا ينهض الولد بمسؤولية، ولا يتصف بأمانة، ولا يعرف غاية، ولا يتحقق بمعنى الإنسانية الفاضلة، ولا يعمل لمَثَلٍ أعلى ولا هدف نبيل، بل يعيش عيشة البهائم، ليس له همٌّ سوى أن يسدَّ جَوْعته، ويُشبعَ غريزته، وينطلقَ وراء الشهوات والملذات، ويصاحبَ الأشقياء والمجرمين.
فعلى الأب أو المربِّي ألاَّ يترك فرصة سانحة تمرُّ إلا وقد زوَّد الولد بالبراهين التي تدل على الله، وبالإرشادات التي تثبِّت الإيمان، وبالصفات التي تقوي جانب العقيدة.
وهذا أسلوب فعَّال في ترسيخ العقيدة في نفوس الصغار، ولقد استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فها هو ينتهز فرصة ركوب عبدالله بن عباس خلفه على حمارٍ، فيقول له: ((يا غلام، إني أعلِّمك كلمات: احفظِ الله يحفظْك، احفظِ الله تجدْه تجاهَك، وإذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله، واعلمْ أن الأمة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعتِ الأقلام، وجفَّت الصحف))[16]، وها هو يرى غلامًا تطيش يده في الصحفة أثناء تناوله الطعام، فيقول له: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينِك، وكُلْ مما يليك))[17].
ثانيًا: التربية الخُلقية:
التربية الخلقية هي مجموعة المبادئ الخلقية، والفضائل السلوكية والوجدانية، التي يجب أن يتلقَّنها الطفل ويكسبها، ويعتاد عليها منذ تمييزه وتعقله، إلى أن يصبح مكلفًا إلى أن يتدرج شابًّا إلى أن يخوض خضم الحياة[18].
ومما لا شك فيه أن الفضائل الخلقية والسلوكية والوجدانية؛ هي ثمرة من ثمرات الإيمان الراسخ، والتنشئة الدينية الصحيحة.
والطفل منذ نعومة أظفاره حين ينشأ على الإيمان بالله، ويتربَّى على الخشية منه، والمراقبة له، والاعتماد عليه، والاستعانة به، والتسليم لجنابه فيما ينوب ويروِّع - تصبح عنده الملكة الفطرية، والاستجابة الوجدانية لتقبُّل كل فضيلة ومكرُمة، والاعتياد على كل خلق فاضل كريم؛ لأن الوازع الديني الذي تأصَّل في ضميره، والمراقبة الإلهية التي ترسَّخت في وجدانه، والمحاسبة النفسية التي سيطرت على تفكيره وإحساساته؛ كل ذلك بات حائلاً بين الطفل وبين الصفات القبيحة، والعادات الآثمة المرذولة، والتقاليد الجاهلية الفاسدة، بل إقباله على الخير يصبح عادة من عاداته، وتعشقه المكارم والفضائل يصير خلقًا أصيلاً من أبرز أخلاقه وصفاته، والعكس تمامًا حينما تكون التربية للطفل بعيدة عن العقيدة الإسلامية، مجرَّدة من التوجيه الديني والصلة بالله - عز وجل - فإن الطفل لا شك يترعرع على الفسوق والانحلال، وينشأ على الضلال والإلحاد، بل سيتبع نفسه هواها، ويسير خلف نوازع النفس الأمَّارة، ووساوس الشيطان وَفْقًا لمزاجه وأهوائه وأشواقه الهابطة.
الأخلاق الهابطة:
هناك عدة أخلاق منتشرة بين الأطفال لا بد من مراعاتها والتحذير منها؛ وهي:
1- خُلق الكذب:
وهو خُلق ذميم، فواجبٌ على الآباء والمربِّين أن يراقبوا أولادهم؛ حتى لا يقعوا في ذلك الخلق الشنيع.
ويكفي الكذبَ تشنيعًا وتقبيحًا أنْ عدَّه الإسلام من خصال النفاق؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أربعٌ مَن كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومَن كانت فيه خَصلة منهن كانتْ فيه خَصلة من النفاق حتى يدَعَها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))[19].
يتبع
تايم فيور timeviewer تيم فيور timeviewer - meet experts