تنبيه الهمام فيمن لهم أجران (1)
قال ابن القيِّم - رحمه الله -:
وإذا تأمَّلتَ أحوال هذا الخلق، رأيتَ الاختيار والتَّخصيص فيه دالاًّ على ربوبيَّتِه تعالى ووحدانيَّته، وكمال حِكمته وعلمه وقدرته، وأنَّه الله الذي لا إله إلاَّ هو؛ فلا شريك له يَخْلق كخَلْقِه، ويختار كاختِيَاره، ويُدبِّر كتَدْبيره؛ فهذا الاختيار والتدبير والتخصيص المشهودُ أثَرُه في هذا العالَم مِن أعظم آيات ربوبيَّتِه، وأكبر شاهدٍ على وحدانيَّته، وصفات كماله، وصِدْق رسله، فنُشير منه إلى يسيرٍ يَكون مُنبِّهًا على ما وراءه، دالاًّ على ما سواه[1].
فسُبحان الذي خلقَ كلَّ شيءٍ فأحسنَ خَلْقه، سبحانه يَخْلق ما يشاء ويختار، سبحانه خلقَ الإنسان في أحسن صورةٍ وكرَّمه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].
سبحانه خلق البشَر، وفضَّل بعضهم على بعض؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [النحل: 71].
واصطفى من البشَر ومن الملائكة رُسلاً، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الحج: 75].
وفضَّل النبيِّين بعضَهم على بعض،قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [الإسراء: 55].
واصطفى من الرُّسل أولي العَزْم، وهم: محمَّد، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى - عليهم السَّلام - قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [الأحزاب: 7].
واصطفى من أُولي العزم الخليلَيْن: محمَّد، وإبراهيم؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في حديث عبدالله بن مسعود: ((ولو كنتُ متَّخِذًا خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلاً، ولكنَّه أخي وصاحبي، ولكن صاحبكم خليل الله))[2]، والخُلَّة: هي تمام المَحبَّة.
وأفضل البشَر على الإطلاق محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((أنا سيِّد ولَدِ آدم يوم القيامة، وأوَّل مَن ينشقُّ عنه القبر، وأوَّل شافعٍ، وأوَّل مشفَّع))[3].
واصطفى من الملائكة: جبريل وميكائيل وإسرافيل، كما في حديث استِفْتاح الصلاة من حديث عائشة، قالَتْ كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا قام من اللَّيل افتتَح صلاته فقال: ((اللَّهمَّ ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطِرَ السَّموات والأرض، عالِمَ الغيب والشَّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يَخْتلفون، اهدني لِما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنك، إنَّك تَهْدي مَن تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ))[4].
وخلقَ سبحانه السَّموات سبعًا، فاختارَ منها العُليا، فجعَلها مُستقَرَّ المقرَّبين من ملائكته، واختَصَّها بالقُرب من كُرسيِّه ومِن عرشه.
واختَصَّ سبحانه الفردوسَ على سائر الجِنان، كما في حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((إنَّ في الجنَّة مائةَ درجةٍ، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدَّرجتين كما بين السَّماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنَّه أوسَطُ الجنَّة، وأعلى الجنَّة أراه))، قال: ((وفوقه عرش الرَّحمن، ومنه تَفجَّرُ أنهارُ الجنَّة))[5].
وخلَق سبحانه الأمم واختصَّ منهم أمَّة النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].
وكما في حديث بَهْز بن حكيمٍ عَنْ أَبيه عَنْ جَدِّه قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنتم مُوفُون سبعين أمَّةً، أنتم خَيْرُها وأكرَمُها على الله))[6].
وخلقَ سبحانه الأرض، واختَصَّ منها مكَّة والمدينة وشرَّفَهما، ففي شأن مكَّة، قال تعالى: ﴿ لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾ [البلد: 1]، وقال تعالى: ﴿ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ﴾ [التين: 3].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في حديث عديِّ بن حمراء: ((والله إنَّكِ لخَير أرض الله وأحبُّ أرض الله، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منك ما خرَجت...))[7].
وقال في شأن المدينة كما في حديث سَعْد بن أبي وقاص قالَ: قالَ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي أحرِّم ما بين لابَتَيِ المدينة أن يُقطَع عِضاهُها، أو يُقتَل صيدُها))، وقال: ((المدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، لا يدَعُها أحدٌ رغبةً عنها إلاَّ أبدلَ الله فيها مَن هو خيرٌ منه، ولا يثبت أحدٌ على لأْوَائها وجهدها، إلاَّ كنتُ له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة))[8].
وكما في حديث أبي هريرة أَنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ الإيمان ليَأْرِزُ إلى المدينة، كما تأرز الحيَّة إلى جُحرِها))[9].
وفضَّل سبحانه مِن الأرض المساجد؛ قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾ [النور: 36].
واختصَّ منها المسجد الحرام، والنبويَّ والأقصى؛ ففي "الصَّحيحين" من حديث أبي هريرة قال: قالَ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه، إلاَّ المسجد الحرام))[10].
وأمَّا المسجد الأقصى - ردَّه الله - عزَّ وجلَّ - إلينا، وقَيَّض له أمثال عمر بن الخطَّاب، وصلاحِ الدِّين الأيوبي، ورزَقَنا صلاةً فيه؛ اللهم آمين - فقَدْ قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شأنهما كما في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة: ((لا تُشدُّ الرِّحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمسجد الأقصى))[11].
وأخرج سبحانه من الأرض الزرع، وفضَّل بعضها على بعض في الأكُل؛قال تعالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4].
وخلقَ سبحانه الشهور، وفضَّل رمضان، والأشهُرَ الحرُم، قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36].
وهي: رجب، وذو الحجَّة، وذو القَعْدة، والمُحرَّم؛ لحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الزَّمان قد استدارَ كهيئته يوم خلق الله السَّموات والأرض، السَّنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حرمٌ، ثلاثةٌ متوالياتٌ: ذو القَعْدة وذو الحجَّة والمُحرَّم، ورجَبُ مُضر الَّذي بين جُمادى وشعبان))[12].
وخلقَ الأيام والليالي، وفضَّل يوم الجمعة على سائر أيَّام الأسبوع، ويوم عرَفة ويوم النَّحر على سائر أيام العام، وليلةَ القدر على سائر ليالي العام، وليلة الجمعة على سائر ليالي الأسبوع[13].
أمَّا عن تَفْضِيل يوم الجمعة، ففي حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خير يومٍ طلعَتْ فيه الشَّمس يوم الجمعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه أُدخِل الجنة، وفيه أُخرِج منها))[14].
ويوم عرفة كما في حديث عائشة قالت: قالَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من يومٍ أكثر مِن أن يُعتِق الله فيه عبدًا من النَّار من يوم عرفة، وإنَّه ليَدْنو ثُمَّ يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟))[15].
أمَّا عن ليلة القدر،فقال تعالى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3].
وأما عن يوم النحر، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في حديث عبدالله بن قرط: ((أعظم الأيَّام عند الله يوم النَّحْر، ثمَّ يوم النفر))[16][17].
وفضَّل سبحانه بعض الأعمال على بعض؛ تارةً بفضل العامل ومكانته عند الله، كما هو الشأن في زوجات النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمهات المؤمنين، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 31]، وكما هو الشأن في أمة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28][18].
وكما في حديث عبدالله بن عمر قال: قالَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجلٍ استأجر أُجَراء، فقال: مَن يعمل لي من غدوة إلى نصف النَّهار على قيراطٍ؟ فعمِلَت اليهود، ثمَّ قال: من يعمل لي من نصف النَّهار إلى صلاة العصر على قيراطٍ؟ فعملت النَّصارى، ثمَّ قال: من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشَّمس على قيراطين؟ فأنتم هم، فغضبت اليهود والنَّصارى، فقالوا: ما لنا أكثر عملاً، وأقلُّ عطاءً، قال: هل نقَصْتُكم من حقِّكم؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلي أوتيه مَن أشاء))[19].
قال ابن حجر - رحمه الله -:
وفي الحديث تفضيل هذه الأمة، وتوفير أجْرِها، مع قلَّة عمَلِها[20].
وكما هو الشأن في أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين" مِن حديث أبي سعيد الخدري قالَ: قالَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَسبُّوا أصحابي، فلو أنَّ أحدكم أنفقَ مِثلَ أحُدٍ ذهبًا ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه))[21].
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -:
أنتم أكثر صلاة وصيامًا من أصحاب محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهم كانوا خيرًا منكم، قالوا: ولِم؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدُّنيا، وأرغبَ في الآخرة[22].
وتارةً تتَفاضل الأعمال بِفَضْل الإخلاص والمتابعة؛ قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
قال ابن كثير - رحمه الله -:
والله يُضاعف لمن يشاء؛ أيْ: بِحَسب إخلاصِه في عمله[23].
وقال السعديُّ - رحمه الله -:
وذلك مال المنفق من الإيمان والإخلاص التام، وفي ثمرات نفقته ونفعها[24].
وكما قال تعالى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271].
قال ابن كثير - رحمه الله -:
فيه دلالةٌ على أنَّ إسرار الصدقة أفضل من إظهارها؛ لأنَّه أبعد عن الرِّياء، إلاَّ أن يَترتَّب على الإظهار مصلحةٌ راجحة[25].
وأمَّا المتابعة فهي الأصل الثاني لقبول العمل؛ قالَ رَسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين" من حديث عائشة: ((مَن أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رَدٌّ))[26].
وقال تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2].
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -:
أحسنُ عملاً: أخلَصُه وأصوَبُه؛ فإنه إذا كان العمل خالصًا، ولَم يكن صوابًا؛ لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولَم يكن خالصًا؛ لم يُقبل حتَّى يكون خالصًا صوابًا، والخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السُّنة[27].
وما ينبغي الإشارة إليه أنَّ المتابعة للنبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نوعان:
1 - متابعةٌ واجبة:
وهي في أصل مشروعيَّة العمل وتحقيق شروطه وأركانه وواجباته التي لا يصِحُّ إلاَّ بها، وهذا القِسْم مؤثِّر في قبول العمل، فإنْ تحقَّقَت فيه هذه المتابعة، وإلاَّ أدَّى إلى بُطْلان العمل؛ كما في حديث عائشة - رضي الله عنها -: ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌّ)).
يتبع