الوصية الرابعة: حِفظ السمع عن الاستماع لمزاميرِ الشيطان:
أدمنتِ الكثيراتُ مِن النساء السماعَ الشيطاني، وأقصد به: الغناء، وشُغِفْنَ به، حتى صارَ أهلُه من المطربين والمطربات لهنَّ قُدوة!
والكثيرات منهنَّ يحفظنَ أغاني أهل الطَّرب والعُري، ولا يحفظنَ شيئًا مِن كتاب الله تعالى، ويتمنَّين أن يكُنَّ مثلَهم في الشهرة والمال، ويساعد على هذا التدليس تمجيدُ وسائل الإعلامِ المختلفة لهم، وتتبُّع أخبار زواجهم وطلاقهم وأعمالهم... إلخ.
واعتبارهم قممًا ورموزًا وطنيَّة، ومِن أسباب نهضةِ الأمَّة ورقيِّها!
ومِن ثَمَّ أحذِّر النساء مِن هذا التدليس، وأُذكرهنَّ بقول الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لقمان: 6 - 7].
- وقال العلاَّمة ابن القيِّم - رحِمه الله تعالى -: اعلم أنَّ للغِناء خواصَّ لها تأثير في صَبغ القلْب بالنِّفاق ونباته فيه كنباتِ الزَّرع بالماء، فمِن خواصِّه: أنه يُلهي القلب ويصدُّه عن فَهم القرآن وتدبُّره والعمل بما فيه، فإنَّ القرآنَ والغناء لا يجتمعانِ في القلب أبدًا؛ لما بينهما مِن التضاد، فإنَّ القرآن ينهَى عن اتباع الهوى، ويأمُر بالعفَّة ومجانبة شهواتِ النفوس وأسباب الغي، ويَنهى عن اتِّباع خُطوات الشيطان، والغناء يأمُر بضدِّ ذلك كله. اهـ.
- وكذلك أذكرهنَّ بقولِ نبيهنَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يكون في أُمَّتي خسفٌ وقذفٌ ومَسْخ))، قيل: يا رسولَ الله متى؟ قال: ((إذا ظهرتِ المعازفُ والقينات واستحلَّتِ الخمر))؛ أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن (4060)، وصحَّحه الألباني في الصحيحة (1787).
والمعازِف هي آلاتُ اللهو المحرَّمة، والقينات جمْع قينة وهي المغنية، ولعلَّ فيما ذكرتُه مِن أدلَّة من القرآن والسنة ما يُقنع نساءَنا وبناتِنا بِتَرْك هذا السَّماع الشيطاني، والإقلاع عن اتِّخاذ أهله قدوةً واتِّباع الحق وهو أحق أن يتبع.
الوصية الخامسة: لا تهجرن بيوت الله:
هجَر كثيرٌ من النِّساء بيوت الله والتعلمِ فيها بحُجَّة عَدَم فرضية الجماعة عليهنَّ:
مِن عجيبِ أمْر النساء تركهنَّ وعدَم رغبتهنَّ في اكتساب العِلم الشرعي النافِع لهنَّ في الدِّين والدنيا واندفاعهنَّ المتهوِّر في تعلُّم العلومِ غيرِ الشرعيَّة، والكثير منها لا حاجةَ لهنَّ فيها إلاَّ التباهي والتفاخُر به أو التنافس الممقوت مع الرجل في الصالح والطالح.
وهذه ليس دعوةً لترْك العلوم الدنيويَّة النافِعة لهنَّ وجلوسهنَّ في البيت لا يفقهْن شيئًا في علوم الدِّين أو الدنيا!! والاكتفاء بلقبٍ كان له رَنَّة وشرف قديمًا، وهو أن يُقال عن المرأة: إنها "رَبَّة بيت".
قطعًا هذا ما لا أقصِده ولا أَرضاه لنسائنا وبناتنا اليومَ؛ لماذا؟
لأنَّ الجهل لا يَنفع في عصرِنا الحالي مع تقدُّم العلوم في كلِّ مجالات الحياة، وتعلّم الأبناء علومًا لم يعرفها جيلُ النساء قديمًا، وكون المرأةِ ربةَ بيت بمفهومه القديم؛ أي: جاهلة لا تَقرأ ولا تكتُب ولا تفقه شيئًا في دِينها، وتعتمد فقط على فِطرتها السوية في التوجيه والإرشاد، كل ذلك لا يَنفعها اليوم شيئًا!!
ورَبَّة البيت هذه لا ناقةَ لها ولا جمل أمامَ أبنائها؛ لأنَّ قدرتها في تَربيتهم وإقناعهم وتوجيهم بعقليةِ القرن الماضي للطريقِ السوي في عصرِ الاستنساخ و(الكمبيوتر) والعولمة أمرٌ صعب، بل هو محال.
وإنَّما ربَّة البيت بمفهومه العصري، والذي نحثُّ عليه نساءَنا وبناتِنا، هو أن تكونَ المرأة مثقَّفة دِينيًّا وعلميًّا، تُميِّز بين الحلال والحرام، بيْن الصواب والخطأ، بين ما ينفع الأبناء وما يضرُّ.
ومِن ثَم تستطيع أن تضعَ يديها على جذورِ المشاكل التي تُحيط بأُسْرتها وبالصَّبر والأناة والحِكمة، فضلاً عنِ الحنان والعاطِفة التي لا يُوازيها عاطفةٌ أخرى في الوجود "عاطفة الأمومة"، تَستطيع المرأة "ربَّة البيت العصريَّة" بكلِّ ما تملكه مِن عِلم وفِقه أن تضعَ الأمور في نِصابها الصحيح، وفي القرآن والسُّنة نصوصٌ كثيرة للحثِّ على العِلم، وخصوصًا العِلم الشرعي منها:
- قال الله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حريصٌ على أن يتعلَّم نِساء الأمة العلمَ الشرعي، فقال مخاطبًا الرجالَ: ((لا تَمْنعوا إماءَ الله مساجدَ الله))؛ أخرجه مسلمٌ في الصلاة (442)، والبخاريُّ في الجمعة (900).
كما أذكِّر نِساءنا وبناتِنا بما كان عليه نِساء الصحابةِ الكرام - رضي الله عنهم، وعنهنَّ أجمعين - كانتِ المرأة منهنَّ حريصةً كلَّ الحِرص على الذَّهاب لمسجدِ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُصلِّين خلفَه ويستمعْنَ إليه، بل ويسألْنَه أن يُخصِّص لهنَّ يومًا لتفقيههنَّ في الدِّين.
- فعن أبي سعيدٍ الخدريِّ - رضي الله عنه - قال: جاءتِ امرأةٌ إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: يا رسولَ الله، ذَهَب الرِّجال بحديثك فاجعلْ لنا مِن نفسك يومًا نأتيك فيه، تُعلِّمنا ممَّا علَّمك الله، قال: ((اجتمعْنَ يومَ كذا وكذا))، فاجتمعْنَ فأتاهنَّ رَسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعَلَّمهنَّ ممَّا علَّمه الله، ثم قال: ((ما مِنكنَّ مِن امرأةٍ تقدِّم بين يديها مِن ولدِها ثلاثةً إلاَّ كانوا لها حجابًا مِن النار، فقالت امرأة: واثنين، واثْنين، واثنين؟ فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((واثْنين واثنيَن واثنين))؛ أخرجه مسلم في البِر والصلة (2634).
ومِن ثَمَّ يَنبغي على النِّساء أن يحْضُرْنَ بيوت الله، ولا يَحرِمهنَّ أزواجهنَّ من ذلك؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَمْنعوا إماءَ الله مساجدَ الله))، شريطةَ خروجهنَّ على ما يوافق الشَّرْع كعدمِ التعطر والتبرُّج عندَ الخروج... إلخ.
وختامًا: أنبِّه نِساءنا وبناتِنا بخطورةِ إهمال هذِه الوصايا القيِّمة، وأوصيهنَّ بأن يتَّقين الله تعالى.
والله مِن وراء القصد، وهو يَهدي السبيل