وكذلك الحال بالنسبة لبعض المستشرقين ؟ فهم يعجبون بالإسلام ويوقنون بصحته ويعترفون بذلك , وتجد بعض المسلمين يهشون لذلك ويطربون لهؤلاء , ويصفونهم بالموضوعية والتجرد , ولكن إعجابهم ويقينهم واعترافهم لا يكفي , بل لا بد من الانقياد . ومن عدم الانقياد ترك التحاكم لشريعة الله - عز وجل - واستبدالها بالقوانين الوضعية , الفرنسية , والإنجليزية , والسويسرية وغيرها .
5-الصدق :
وهو الصدق مع الله , وذلك بأن يكون صادقا في إيمانه صادقا في عقيدته , ومتى كان ذلك - فإنه سيكون مصدقا لما جاء من كتاب ربه , وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - , فالصدق أساس الأقوال , ومن الصدق أن يصدق في دعوته وأن يبذل الجهد في طاعة الله , وحفظ حدوده , قال تعالى : ' يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ' وقال في وصف الصحابة : ' رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ وقال : وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ' . وقد ورد اشتراط الصدق في الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - من قال لا إله إلا الله صادقا من قلبه دخل الجنة . وضد الصدق الكذب , فإن كان العبد كاذبا في إيمانه فإنه لا يعد مؤمنا بل هو منافق , وإن نطق بالشهادة بلسانه , وحاله هذه أشد من حال الكافر الذي يظهر كفره , فإن قال الشهادة بلسانه وأنكر مدلولها بقلبه فإن هذه الشهادة لا تنجيه , بل يدخل في عداد المنافقين , الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا ' نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ' ، فرد الله عليهم تلك الدعوى بقوله : ' وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ' وقال تعالى أيضا في شأن هؤلاء :' وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ' . و قال : ' وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ' ، و الأدلة في ذلك كثيرة جدا ، وهي مبسوطة في أوائل سورة البقرة , وفي سورة التوبة أيضا وغيرها , فإذا قامت أعمال الإنسان واعتقاداته على عقيدة سليمة كان الإيمان قويا سليما , وبالتالي يكون العمل مقبولا بإذن الله والعكس بالعكس , والناس يتفاوتون في الصدق تفاوتا عظيما . ومما ينافي الصدق في الشهادة تكذيب ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو تكذيب بعض ما جاء به لأن الله سبحانه أمرنا بطاعته وتصديقه , وقرن ذلك بطاعته - سبحانه وتعالى - وقد يلتبس على بعض الناس الأمر في موضوع اليقين والصدق , لذا نقول : إن اليقين أعم من التصديق , وعلى ذلك يكون كل موقن مصدقا وليس كل مصدق موقنا . أي بينهما عموم وخصوص كما يقول أهل الأصول ؟ أي أن الموقن قد مر بمرحلة التصديق .
6-الإخلاص :
وهو تصفية الإنسان عمله بصالح النية عن جميع شوائب الشرك , وذلك بأن تصدر منه جميع الأقوال والأفعال خالصة لوجه الله , وابتغاء مرضاته , ليس فيها شائبة رياء , أو سمعة , أو قصد نفع , أو غرض شخصي أو شهوة ظاهرة أو خفية أو الاندفاع للعمل لمحبة شخص , أو مذهب , أو مبدأ , أو حزب يستسلم له بغير هدى من الله , والإخلاص كذلك مهم في الدعوة إلى الله تعالى فلا يجعل دعوته حرفة لكسب الأموال أو وسيلة للتقرب إلى غير الله , أو الوصول للجاه والسلطان , بل لا بد أن يكون مبتغيا بدعوته وجه الله والدار الآخرة , ولا يلتفت بقلبه إلى أحد من الخلق يريد منه جزاء أو شكورا . والقرآن والسنة مليئان بذكر الإخلاص , والحث عليه , والتحذير من ضده , ومن ذلك قوله تعالى :' أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ' ، و قال :' وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ' ، و قال : ' قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي '. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : ' أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ' . و في الصحيحين من حديث عتبان :' فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ' . ويدخل في ذلك - الإخلاص في اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - , بالاقتصار على سنته وتحكيمه , وترك البدع , والمخالفات , وترك ما يخالف شرعه من التحاكم إلى ما وضعه البشر من عادات وقوانين فإن رضيها أو حكم بها - لم يكن من المخلصين .
وضد الإخلاص الشرك والرياء وابتغاء غير وجه الله . فإن فقد العبد أصل الإخلاص فإن الشهادة لا تنفعه أبدا قال تعالى : ' وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا '. فلا ينفعه حينئذ أي عمل يعمله لأنه فقد الأصل : ' إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ' . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ' قال الله تبارك وتعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك , من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ' . وإن فقد الإخلاص في عمل من الأعمال ذهب أجر ذلك العمل .
7-المحبة :
أي المحبة لهذه الكلمة العظيمة , ولما دلت عليه واقتضته , فيحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ويقدم محبتهما على كل محبة , ويقوم بشروط المحبة ولوازمها . فيحب الله محبة مقرونة بالإجلال والتعظيم والخوف والرجاء , ويحب ما يحبه الله من الأمكنة : كمكة المكرمة والمدينة النبوية والمساجد - عموما - والأزمنة كرمضان وعشر ذي الحجة وغيرها , والأشخاص كالأنبياء والرسل والملائكة والصديقين والشهداء والصالحين , والأفعال كالصلاة والزكاة والصيام والحج , والأقوال كالذكر وقراءة القرآن , . ومن المحبة - أيضا - تقديم محبوبات الله على محبوبات النفس وشهواتها ورغباتها , وذلك لأن النار حفت بالشهوات والجنة حفت بالمكاره . ومن المحبة أيضا أن يكره ما يكرهه الله ؟ فيكره الكفار , ويبغضهم , ويعاديهم , ويكره الكفر والفسوق والعصيان , قال تعالى : ' يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ' وقال تعالى : ' لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ '. وقال تعالى : ' قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ '. وقال - صلى الله عليه وسلم - :' ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ' .
وعلامة هذه المحبة الانقياد لشرع الله واتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى : ' قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ', وضد المحبة الكراهية لهذه الكلمة ولما دلت عليه وما اقتضته , أو محبة غير الله مع الله . قال تعالى :' ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ '. وقال الله تعالى : ' وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ' ، فهؤلاء الذين بين الله - جل وعلا - شأنهم في هذه الآية يحبون الله ولكنهم يحبون غيره مثل محبته على أحد التفسيرين , ومع ذلك سماهم الله ظالمين والظلم هنا بمعنى الشرك بدليل قوله تعالى في الآية التي تليها :' وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ'. فإذا كان هذا هو شأن - من أحب الله وأحب غيره مثل حبه - فكيف بمن أحب غير الله أكثر من حبه لله ؟ , وكيف بمن أحب غير الله ولم يحب الله - سبحانه وتعالى - بل وكيف بمن أحب غير الله , وكره الله وحارب الله - سبحانه وتعالى ؟ ؟
ومما ينافي المحبة أيضا بغض الرسول - صلى الله عليه وسلم - , ومما ينافيها موالاة أعداء الله من اليهود والنصارى وسائر الكفار والمشركين ومما ينافيها أيضا معاداة أولياء الله المؤمنين . ومما ينافي كمالها - المعاصي والذنوب . نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يرزقنا حبه وحب من يحبه والعمل الذي يقربنا إلى حبه إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير .
تايم فيور timeviewer تيم فيور timeviewer - meet experts