أهمية دراسة العقيدة[1]
علم العقيدة الإسلامية:
هو العلم الأساسي الذي يجدرُ العناية به تعليمًا وتعلمًا، وعملاً بموجبه؛ لتكون الأعمال صحيحةً مقبولة عند الله -تعالى- نافعة للعامِلين، خصوصًا ونحن في زمن كثرتْ فيه التيَّارات المنحرفة؛ ومنها: تيار الإلحاد، والصوفية، وتيار القبورية الوثنية، وتيار البدع المخالفة للهَدْي النبوي، وكلها تيَّارات خطيرة ما لم يكن المسلِم مسلَّحًا بسلاح العقيدة الصحيحة، المرتكزة على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، فإنه حريٌّ أن تَجرِفَه تلك التيارات المضِلَّة.
وهذا ما يستدعي العنايةَ التامَّة بتعليم العقيدة الصحيحة لأبناء المسلمين من مصادرها الأصلية.
وتتمثل أهمية دراسة العقيدة في:
• إخلاص النية والعبادة لله تعالى وحده؛ لأنه الخالق لا شريك له، فوجب أن يكون القصد والعبادة له وحده.
• تحرير العقل والفكر من التخبط الفوضوي الناشئ عن خلو القلب من هذه العقيدة؛ لأن مَن خلا قلبُه منها إما فارغ القلب من كل عقيدة، وعابد للمادة الحسية فقط، وإما متخبط في ضلالات العقائد والخرافات.
• الراحة النفسية والفكرية، فلا قلق في النفس ولا اضطراب في الفكر؛ لأن هذه العقيدة تصل المؤمن بخالقه، فيرضى به ربًّا مدبرًا وحاكمًا مشرعًا؛ فيطمئن قلبه بقدره وقضائه، وينشرح صدره للإسلام، فلا يبغي عنه بديلاً.
• أنه بها تتوحد صفوف المسلمين والدعاة، وعليها تجتمع كلمتهم، وبدونها تتفكك؛ ذلك أنها عقيدة الكتاب والسنة، والجيل الأول من الصحابة، وكلُّ تجمُّع على غيرها مصيرُه الفشل والتفكك.
• أنها تجعل المسلم يعظم نصوص الكتاب والسنة الصحيحة، وتعصمه من رد معانيها أو التلاعب في تفسيرها بما يوافق الهوى.
• تربط المسلمَ بالصحابة ومن تبعهم، فتزيده عزة وإيمانًا وافتخارًا بهم، فهم سادة الأولياء وأئمة الأتقياء.
كما قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "إن الله نظر في قلوبِ العباد فوجدَ قلبَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - خيرَ قلوبِ العباد؛ فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلبِ محمدٍ، فوجد قلوبَ أصحابه خيرَ قلوبِ العباد؛ فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيئ"[2].
وكما قال ابن عمر: "مَن كان مستنًّا، فليستنَّ بِمَن قد مات، فإن الحيَّ لا تؤمنُ عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا أفضلَ هذه الأمة، أبرَّها قلوبًا، وأعمقَها علمًا، وأقلَّها تكلفًا، اختارهم الله لصحبةِ نبيِّه ولإقامة دينه، فاعرِفوا لهم فضلَهم، واتَّبِعوهم على أثرِهم، وتمسَّكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسِيرهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم، والله رب الكعبة [3].
• تميزها بالوضوح؛ حيث إنها تتخذُ الكتاب والسنة منطلقًا في التصوُّر والفهم بعيدًا عن التأويل والتعطيل والتشبيه، وتنجي المتمسِّك بها من هلكةِ الخوض في ذات الله، وردِّ نصوص كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ومن ثَمَّ تكسب صاحبها الرضا والاطمئنان لقدر الله، وتقدير عظمة الله، ولا تكلِّف العقل التفكير فيما لا طاقة له به من الغيبيات[4].
• أن العقيدة الإسلامية هي أعظم الواجبات وآكدها؛ لذا فهي أول ما يُطالَب به الناس؛ فعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويُقِيموا الصلاة، ويُؤتُوا الزكاة، فإذا فَعَلوا ذلك عَصَموا مني دماءهم وأموالَهم إلا بحقِّ الإسلام، وحسابُهم على الله)) [5].
• أن العقيدة الإسلامية هي العقيدة الوحيدة التي تحقِّق الأمن والاستقرار، والسعادة والسرور؛ كما قال -تعالى-: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112].
كما أن العقيدة الإسلامية وحدها هي التي تحقق العافية والرخاء، قال -تعالى-: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].
• أن العقيدة الإسلامية هي السبب في حصول التمكين في الأرض، وقيام دولة الإسلام، قال -تعالى-: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105].
• أن العقيدة الراسخة في القلب تنبعثُ عنها الأعمال الصالحة، ويحصل منها: امتثال الأوامر، وترك الزواجر، والتصديق بالأخبار، والعمل الصالح، والعلم النافع.
وبالنظر في سِير السلف الصالح نجد أن العقيدة لما تمكَّنتْ من قلوبهم هانتْ عليهم الدنيا، فأَفْنوا أعمارَهم وأولادهم وأموالهم في سبيل إعلاء كلمة الله -تعالى- فصدقوا وعد الله، وصَبَروا على الأذى والسجون والقتل؛ فالواجب علينا أن نكون أمثالَهم في التلقي والعمل والصبر على الأذى.
معنى العقيدة:
لغة: مأخوذة من العقد، وهو شد الشيء، يقال: اعتقدتُ كذا، إذا عقدت عليه القلب والضمير.
أما العقيدة اصطلاحًا؛ فهي: عقد القلب على مجموعةٍ من القضايا عقدًا جازمًا بصحتها، فإن طابَقَ الواقعَ، فهو اعتقاد صحيح، وإن خالف الواقع فهو اعتقاد باطل.
ومن هنا يتبين لنا أن العقيدة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: عقيدة صحيحة، وهي المطابقة للواقع؛ مثل اعتقادنا أن الله واحد لا شريك له، فهو اعتقاد صحيح؛ لأنه موافِق للواقع.
القسم الثاني: عقيدة باطلة، وهي المخالفة للواقع؛ مثل اعتقاد النصارى أن الله ثالث ثلاثة، فهو اعتقاد، ولكنه باطل؛ لأنه مخالف للواقع، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
وهنا سؤال: ما الفرق بين العقيدة، والشريعة، والأخلاق؟
العقيدة: هي الأمور التي يجب أن نؤمن بها إيمانًا جازمًا، فهي لا تقبل التغيير ولا التبديل، قال -تعالى-: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19].
ولها مسميات عدة؛ نذكر منها:
1- أصول الدين: لأنها تشتملُ على المبادئ العامة، والقواعد الكلية الكبرى التي بها تتحقق طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والاستسلام لأمره ونهيه.
2- السنة: لأنها تتبعُ العقيدة الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة، وممن استعمل هذا اللفظ الإمام أحمد بن حنبل في كتابِه: أصول السنة، وقد اشتمل على العقيدة الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنَّة بفهم سلف الأمة - عليهم رحمة الله، وكذا ابنه عبدالله في كتابه: "السنة"، وأيضًا ابن أبي عاصم، والخلال، وغيرهم كثيرٌ من سلف الأمة.
3- الفقه الأكبر: لأن الفقهَ في اللغة هو الفهم، وأضيف إلى الأكبر لإخراج الأصغر، وهو علم الحلال والحرام وعلم الفروع، وهو اصطلاحٌ عُرِف في القرن الثاني الهجري، ولأبي حنيفة - رحمه الله - كتاب: "الفقه الأكبر"[6]، جمع فيه جملة اعتقاد السلف.
4- علم التوحيد: لأنه يتعلق بتوحيد الله -تعالى- وإفراده بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
5- علم العقيدة: كما هو معلوم.
6- علم الكلام: ولكن أهل العلم يكرهون هذه التسمية ويذمُّونها، ويطلقونها على علماء المنطق في المقابل لعلماء السنة.
وللعقيدة أصول ستة، وهي التي وردتْ في حديث جبريل المشهور، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيرِه وشرِّه.
ثانيًا: الشريعة:
وهي الأعمال التكليفية التي يقوم بها المسلم، وهي تختلف من أمة إلى أخرى، ومن نبي لآخر، بخلاف العقيدة؛ فهي ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.
أمَّا الشرائع، فتتبدل وتتغير قال -تعالى-: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48].
والأحكام التكليفية خمسة، وهي: الواجب، والحرام، والمكروه، والمستحب، والمندوب.
ثالثًا: الأخلاق:
وهي عبارة عن مجموعة من السلوكيات الحسنة، التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها في معاملة الآخرين.
وهذه الأخلاق كان العرب في الجاهلية يتحلَّون ببعضها، فجاء الإسلام ليتمِّمَ هذه الأخلاق؛ ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما بُعِثت لأتمِّمَ صالحَ الأخلاق))[7].
مصادر تلقي العقيدة:
أقسام الناس في منهج التلقي:
أولاً: منهج السلف:
نتلقَّى العقيدة من كتاب الله ومن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة، وإجماع السلف الصالح.
والدليل على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -:
قال -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].
وقال -تعالى-: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10].
والدليل على إجماع السلف الصالح:
قال -تعالى-: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].
والسلف لغة: هم الجماعة المتقدِّمون، يقال سلف ويسلف، أي: مضى، وسلف الإنسان آباؤه المتقدِّمون، قال -تعالى-: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴾ [الزخرف: 55، 56].
وللسلف أسماء عدة عُرِفوا بها؛ منها:
1- أهل السنة والجماعة: وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة.
سبب التسمية: سمُّوا بأهل السنة لتمسُّكِهم بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - المبينة للقرآن؛ عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث العِرْبَاض بن سارية: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات؛ الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) [8].
وسمُّوا بأهل السنة والجماعة؛ لأنهم اجتمعوا على اتباعِ سنةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أجمع عليه السلف.
وهنا سؤال: ماذا يعني مفهوم "الجماعة"؟
هم مَن كانوا على الحق؛ لذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنتَ الجماعة ولو كنتَ وحدك، وقال -تعالى- عن إبراهيم - عليه السلام -: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120].
قال نُعَيم بن حماد: إذا فَسَدتِ الجماعةُ، فعليك بما كانوا عليه من قبلُ، وإن كنتَ وحدك فأنتَ الجماعة حينئذٍ [9].
2- الفِرقة الناجية: قيل: لنجاتهم من النار؛ لاتباعِهم السنة، كما في حديث معاوية بن أبي سفيان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أهل الكتابينِ افترقوا في دينِهم على ثنتين وسبعين ملةً، وإن هذه الأمة ستفترقُ على ثلاثٍ وسبعين ملةً - يعني الأهواء - كلُّها في النار إلا واحدةً وهي الجماعة، وإنه سيخرجُ في أمتي أقوامٌ تَجَارى بهم تلك الأهواء كما يتَجَارى الكَلَب بصاحبِه، لا يبقى منه عِرْق ولا مفصل إلا دخله)) [10].
3- الفرقة المنصورة: لأنهم منصورون إلى قيام الساعة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ولن تزالَ طائفةٌ من أمتي منصورينَ لا يضرُّهم مَن خذلهم حتى تقومَ الساعة))[11].
4- أهل الحديث: وذلك لأنهم اهتموا بنقل ما رُوِي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحاديث، وتمييز الصحيح منها من الضعيف، واتبعوا ما جاء به من العقائد والأحكام، ولا يفرِّقون بين الآحاد والمتواتر، وكل مَن علم الحديث وعمل به - وإن لم يتخصص في أصول علوم الحديث - فهو من أهل الحديث، وتنطبق عليه الأخبار والآثار في الفِرقة الناجية المنصورة.
قواعد وأصول في منهج تلقي العقيدة السلفية:
أولاً: مصدر العقيدة: هو الكتاب والسنة الصحيحة، وإجماع السلف الصالح.
هذه المصادر هي أساس دين الإسلام، ويرتكز على ثلاثة أصول؛ وهي:
1- تعظيم النصوص الشرعية، والانقياد لها.
2- الاعتماد على الأحاديث الصحيحة.
3- صحَّة فهم النصوص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "فمَن بَنَى الكلام في العلم؛ الأصولِ والفروع على الكتابِ والسنة والآثار المأثورة عن السابقين - فقد أصاب طريقَ النبوة، وكذلك مَن بَنَى الإرادة والعبادة والعمل والسماع المتعلِّق بأصول الأعمال وفروعها من الأحوال القلبية والأعمال البدنية على الإيمان والسنة والهَدْي الذي كان عليه محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ فقد أصاب طريق النبوة، وهذه طريق أئمة الهدى" [12].
ثانيًا: كل ما صحَّ من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجبَ قبولُه والعمل به، وإن كان آحادًا في العقائد والأحكام وغيرها؛ لأن كل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو حقٌّ وصدق، ولا ريب فيه، قال -تعالى-: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]، وقد أمر الله - سبحانه - بطاعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال -تعالى-: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].
ثالثًا: المرجع في فهم الكتاب والسنة، هو النصوص المبيِّنة لها بفهم السلف الصالح:
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في رسالته لأبي موسى الأشعري: "ثم الفهَم الفهم فيما أُدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال، ثم اعمِد فيما ترى إلى أحبِّها إلى الله وأشبهِها بالحق"[13].
قال ابن القيم: صحَّة الفهم وحسن القصد من أعظم نِعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبدٌ عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجلَّ منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامُه عليهما، وبهما يأمن العبدُ طريقَ المغضوب عليهم، الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فسدت فُهومُهم، ويصير من المنعَم عليهم الذين حسُنت أفهامُهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أُمِرنا أن نسألَ الله أن يَهدِيَنا صراطَهم في كل صلاة، وصحة الفهم نورٌ يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغَي والرشاد، ويمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، وتقطع مادتُه اتباعَ الهوى، وإيثار الدنيا، وطلبَ مَحْمَدةِ الخلق، وترك التقوى" [14].
ومن الأصول التي يجب الاعتماد عليها في فَهْم النصوص: فَهْمُ الصحابة - رضي الله عنه - ففيهم تكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزل الكتاب وهم معه، فهم أعلم الناس بمراد الله وبمراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة بعد ما كثرت البدع، وقلَّ العلمُ، وفسدت الأفهام، وهُجِرت السنة.
يتبع