فقه مياه الإنسان
الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان في أحسن تقويم، وصلى الله وسلم على من بلَّغ عن الله الدين القويم، وفقَّه أمته وبصَّرهم تعاليم رب العالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
في هذا الدرس سنتطرق إلى من مسائل الفقه الإسلامي وهي مسألة: مياه الإنسان التي في جسمه ما هي؟ وما أحكامها في الفقه الإسلامي؟
علماً أننا لن نتعرض في هذا الدرس لكثير من التفصيلات والتفريعات؛ لأن درسنا هذا لا يحتمل ذلك، ولكن سنوجز - بإذن الله - إيجازاً لا يخل بالمقصود، ولا يقصّر في المراد.
الدمع:
تعريفه: "لغة: ماء العين، يقال: دمعت العين دمعاً إذا سال ماؤها، وعين دامعة أي: سائل دمعها، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي"1.
حكمه: طاهر بإجماع العلماء قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن خروج اللبن من ثدي المرأة لا ينقض الوضوء، وكذلك البزاق، والمخاط، والدمع الذي يسيل من العين، والعرق الذي يخرج من سائر الجسد، والجشاء المتغير الذي يخرج من الفم، والنفس الخارج من الأنف، والدود الساقط من القرح، كل هذا لا ينقض طهارة، ولا يوجب وضوءاً"2.
المخاط:
تعريفه: في معجم لغة الفقهاء: "المخاط: بضم الميم جمعه أمخطة، إفرازات لزجة تفرزها أغشية الأنف"3.
حكمه: سبق نقل الإجماع على طهارته، ونُضيف قول الشافعي رحمه الله من كتاب الأم: "... وإذا وضع المرء ماء فاستن بسواك، وغمس السواك في الماء، ثم أخرجه؛ توضأ بذلك الماء؛ لأن أكثر ما في السواك ريقه، وهو لو بصق، أو تنخم، أو امتخط في ماء لم ينجسه..."4.
البصاق:
تعريفه: جاء في القاموس: هو "ماءُ الفَمِ إذا خَرَجَ منه، وما دَام فيه: فَرِيقٌ"5، وفي المعجم الوسيط: هو " الريق إذا لفظ، والأخلاط التي تفرزها مسالك التنفس عند المرض"6، وجاء في مجلة البحوث الإسلامية: "هو اللعاب الحامل لكثير من الجراثيم والميكروبات، ولهذا يعمد الأطباء إلى تحليله لتشخيص نوع المرض مثل مرض السل مثلاً، فإن من طرق تشخيصه تحليل بصاق المريض"7، ويقال له: البساق، والبزاق، ولكنه بالصاد أفصح.8
حكمه: طاهر، قال ابن تيمية رحمه الله: "وأما الغسل فإن الثوب قد يغسل من المخاط، والبصاق، والنخامة؛ استقذاراً لا تنجيساً؛ ولهذا قال سعد بن أبي وقاص وابن عباس: (أمطه عنك –أي المني- ولو بإذخرة؛ فإنما هو بمنزلة المخاط والبصاق)9"10؛ فدل هذا على طهارة البصاق" ووجه الدلالة منه ظاهرة وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم شبَّه المني بالمخاط والبصاق11 مما يدل على طهارته، وأمر بإماطته بأي كيفية كانت ولو بإذخرة لأنه مستقذر طبعاً"12، وسبق كلام ابن المنذر رحمه الله، وقال ابن حجر رحمه الله: "... وفيها أن البصاق طاهر، وكذا النخامة، والمخاط خلافاً لمن يقول كل ما تستقذره النفس حرام"13.
- ومن أحكام البصاق: أنه يكره في المسجد؛ لما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ((البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) رواه البخاري برقم (405)، ومسلم برقم (1259)، وهو عندهما بلفظ البزاق، والتفال، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقاً في جدار القبلة فحكَّه، ثم أقبل على الناس فقال: ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى)) رواه البخاري برقم (406) ومسلم برقم (1251).
اللعاب:
تعريفه: هو "الريق الذي يسيل من الفم"14.
حكمه: طاهر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن المسلم لا ينجس)) رواه البخاري (283)، ومسلم (372)، ولعاب الإنسان يدخل في عموم هذا الحديث، ولأحاديث أخرى خاصة بموضوع اللعاب منها ما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر؛ فناولت السواك الأصغر منهما فقيل لي: كبر فدفعته إلى الأكبر منهما)) رواه البخاري (2271) ومسلم (2271)، وجاء في مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ" رواه مسلم (300).
إذن فسؤر الآدمي طاهر ذكراً كان أو أنثى ولو كانت حائضاً، إلا في حال شرب الخمر لنجاسة فمه15 قال النووي رحمه الله: "واعلم أنه لا فرق في العرق واللعاب، والمخاط والدمع؛ بين الجنب والحائض والطاهر، والمسلم والكافر، والبغل والحمار، والفرس والفأر، وجميع السباع والحشرات، بل هي طاهرة من جميعها، ومن كل حيوان طاهر، وهو ما سوى الكلب والخنزير وفرع أحدهما، ولا كراهة في شئ من ذلك عندنا، وكذا لا كراهة في سؤر شئ منها، وهو بقية ما شربت منه، والله أعلم"16.
ما يسيل عند النوم من الفم:
حكمه: ما يسيل من الفم وقت النوم طاهر17.
العرق:
تعريفه: "لغة: ما جرى من أصول الشعر من ماء الجلد، ويستعمل عند الفقهاء بمعنيين:
الأول: ما رشح من البدن (وهو المقصود في بحثنا هذا).
والآخر: نوع من المسكرات يقطر من الخمر، ويسمى عرقياً"18.
حكمه: جاء في كتاب (الأم) للشافعي رحمه الله: "(قال الربيع): وعرق النصرانية، والجنب، والحائض طاهر، وكذلك المجوسي، وعرق كل دابة طاهر، وسؤر الدواب والسباع كلها طاهر إلا الكلب والخنزير، (قال الربيع): وهو قول الشافعي...".19
ماء القروح:
تعريفه: وهو كل ما سال من الجرح.
حكمه: قال النووي رحمه الله: "وأما ماء القروح فإن كان له رائحة فهو نجس كالقيح، وإن لم يكن له رائحة فهو طاهر كرطوبة البدن... وكذا ماء القروح المتغير نجس بالاتفاق، وأما غير المتغير فطاهر على المذهب..."20، وقال ابن تيمية رحمه الله: "وماء القروح إن كان متغيراً فهو كالقيح، وإلا فهو طاهر.."21.
وقال ابن عثيمين رحمه الله: "لا يُنقض الوضوء إلا من شيء واحد، وهو ما خرج من السبيلين القبل والدبر، وما عدا ذلك فإنه لا ينقض الوضوء، القيء، والدم، وماء القروح؛ وغيرها كلها لا تنقض الوضوء قلَّت أو كثرت"22.
البول:
تعريفه: واحد الأبوال، يقال: بال الإنسان والدابة، يبول بولاً ومبالاً، فهو بائل.
ثم استعمل البول في العين أي في الماء الخارج من القبل"23.
حكمه:
"اتفق الفقهاء على نجاسة بول وعذرة الآدمي، وبول وروث ما لا يؤكل لحمه؛ لما ورد أنه "جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه" رواه البخاري برقم (221)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((استنزهوا من البول))24...".
طريقة تطهير الأرض من البول:
"قال الإمام أحمد رحمه الله: "بول الأعرابي يجزيه أن يصب عليه الماء دلوا أو دلوين"25.
يتبع