وأما ذو الحجة فهو أيام الحج وأركانه وموسمه الأعظم من التروية إلى عرفه ويوم النحر والتشريق، وفيه الإحرام والطواف والسعي والمبيت والوقوف والحلق والهدي والدعاء والإنفاق، ولكلٍ منها معلمٌ في التوجيه والأخذ والترك، قد اجتمع في هذه الأيام ما لم يجتمع في العام من سواها لراغبٍ في الخير من مطمعٍ، ولهذا فقد أحاطت الشريعة هذه العبادات بالتوجيه الممعن في الإحتياط عند النسيان أو مظنة الخروج عن المأمور به.
وحتى من يقطنون ديارهم ولم يحجوا كانت لهم من مراسيم العبادة ما يتفق مع حالهم، واسمع إلى ما ترويه أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا، حتى يضحي) [18]،
إضافةً إلى أن الإسلام قد أحاط الأضاحي وصلاة العيد والأيام العشر بمزيد الإهتمام ببيان الفضل.
بركات العمل الصالح:
والعمل الصالح هو زاد المسير إلى الله تعالى في هذه الرحلة الدنيوية العاجلة على العموم حتى يصل المؤمن إلى رضوان ربه ورحمته ويبقى عمله عند الله مذخورٌ،ويزيد الأجر إذا كان في شهرٍ قد حرمه الله تعالى، قال الله عز وجل: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ [19]
وأصحاب العمل الصالح هم ورثة النعيم المقيم في الجنة، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾[20]،
وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾ [21]، وقال الله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [22].
وعندما يدخل المؤمنون الجنة بعملهم الصالح فلهم عند الله أعلى الدرجات، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ﴾ [23]،
وعندئذ ٍ، يتقلبون بين أصناف النعيم الذي لا ينفد ويتقلدون أبهى الحلل، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ [24].
وفي الدنيا والآخرة سيجد أهل العمل الصالح في الأرض الود الجميل في القلوب جزاءً بعملهم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾ [25]، وقد وعدهم الله تعالى بالتمكين والنصر والأمن والإستخلاف في الأرض،
قال الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾ [26].
فلا غرو ؛ أن لا يتساوى أهل العمل الصالح والطالح: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [27]
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [28].
وفي الحديث الشهير عن أهل الغار علمنا النبي المختار صلى الله عليه وسلم أن صالح الأعمال ينقذ من المهالك ويقي النفس شرورها وغوائلها ويرتفع بها إلى درجاتٍ تنقطع فيها الفواصل الفارقة بين بني آدم والملائكة، وجلَّى لنا ذلك في صورٍ ثلاث تجمع بين بر الوالدين ونقاء العرض من الخنا وطهارة اليد من المال الحرام وكلها من أَجَلِّ الأعمال الصالحة.
والعمل الصالح هو وظيفة المؤمن الذي لا يكاد يفرغ من عملٍ ويحلق به إلى أجواز الفضاء حتى يشرع في عملٍ آخر مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [29]،
فالمؤمن على طول حياته لا ينفك من العمل الصالح الذي هو قرين الإيمان برب الأكوان، فلا إيمان لمن لا عمل له وآيات القرآن ما فتأت تعلمنا على الدوام أن الإيمان والعمل الصالح قرينان لا ينفكان.
من صور العمل النافع:
وعلى المسلم أن لا يكسل أبداً عن العمل الصالح هذه الأيام وأن يغتنم هذه الفرصة المواتية للتخير من صنوف العمل الصالح في الأشهر الحرم والتي منها على سبيل المثال:
المحافظة الصارمة على صلاة الجماعة لأن الأجر فيها أضعاف صلاة الذين يصلون فرادى وفي ذلك قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ) [30]،
فهذه المحافظة على أمانة الجماعة عملٌ يستحق الإجتهاد من صاحبه إن ألفى من نفسه تقصيراً في حضور الجماعات في المساجد، خصوصاً وأن الوعد بالزيادة في الحسنات أمرٌ يجلله العموم فما بالنا بأيام الأشهر الحرم التي يضاعف الله تعالى فيها أجور العمل الصالح؟
فليحاول المسلم أن يلتزم بالجماعات فإن الأجرَ يستحق النهوض وعدمَ القعود، والتكليف غير مرهقٍ ولا صعبٍ إلا على من نعتهم الكتاب العزيز بالمنافقين، قال الله تعالى:﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [31]،
فهل يرضى مؤمنٌ لنفسه أن يكون في عداد المنافقين؟!.. ويغرى المؤمن ببذل الجهد في طريق الجدِّ للمحافظة على الصلاة في جماعات المساجد ما رصده النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من طيوبِ الأجورِ في مجرد الخطوات لحضور الجماعات، فعن أبي هريرة (رضى الله عنه) أن النبي الكريم صل الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ " قالوا: بلى. يا رسول الله ! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة.. فذلكم الرباط ) [32].
يتبع...
تايم فيور timeviewer تيم فيور timeviewer - meet experts