قوله تعالى : { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا }
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى روى البخاري وغيره ، عن ابن عباس : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد نفسه ، فقال : لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال عمر : إنه من قد علمتم .
فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم ، فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم ، فقال : ما تقولون في قوله تعالى : { إذا جاء نصر الله والفتح } ؟
فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ، ونستغفره إذا جاء نصر الله ، وفتح علينا . وسكت بعضهم ، فلم يقل شيئا . فقال لي : كذلك تقول يا ابن عباس ؟ قلت : لا . قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه به ؛ قال له : { إذا جاء نصر الله والفتح }
في ذلك علامة أجلك ، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا . فقال : لا أعلم منها إلا ما تقول .
المسألة الثانية روى الأئمة عن عائشة رضي الله عنها واللفظ للبخاري قالت : { ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد إذ نزلت عليه سورة :
{ إذا جاء نصر الله والفتح }
إلا يكثر أن يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي } .
وعن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله صل الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن } .
وقال أبو بكر يا رسول الله ، علمني دعاء أدعو به في صلاتي . قال : {قل سبحانك اللهم وبحمدك ، ربي إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، وإني أعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم } .
المسألة الثالثة ماذا يغفر للنبي صل الله عليه وسلم ؟ روى الأئمة أنه صل الله عليه وسلم كان يقول : { رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي خطئي وعمدي وجهلي وهزلي ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، وأنت على كل شيء قدير } .
قال القاضي : وأنا أقول : كل ذلك عندي مضاعف ، وهو صلى الله عليه وسلم منه بريء .
ولكن كان يستقصر نفسه لعظيم ما أنعم الله عليه ، ويرى قصوره عن القيام بحق ذلك ذنوبا ؛ فأما أنا فإنما ذنوبي بالعمد المحض ، والترك التام ، والمخالفة البينة ، والله يفتح بالتوبة ويمن بالعصمة بمنه وفضله ورحمته ، لا رب سواه .