" الرازق- الرَّزَّاق "
ورد اسم الله " الرزاق " في قوله سبحانه : { إنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القوَّةِ المَتِينُ } [الذاريات:58]
وعلى صيغة الجمع " خير الرازقين " في خمسة مواضع
ورزق الله ينقسم إلى قسمين :
الأول: الرزق العام, وهو للبشر كلهم؛ مسلمهم وكافرهم, بَرِّهم وفاجرهم, كما قال سبحانه:
{ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } [هود:6]
وكم هي الدواب على ظهر هذه الأرض, وفي الفضاء و الأفلاك, بل وفي أعماق البحار
كلها تكفل الله برزقها جميعا, ويَسَّر لها أسبابها, من حيث تحتسب ومن حيث لا تحتسب
الثاني: الرزق الخاص
وهذا يختص الله تعالى به نخبة من عباده يختارهم و يصطفيهم
وهو الرزق الإيماني, وهو عبادة الله سبحانه وتعالى, والتعرُّف إليه, والالتزام بأمره, والوقوف عند حده
ليَنَال العبد رضا ربه
* كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم لا مانع لما أعطيتَ, ولا مُعطي لما منعتَ, ولا ينفعُ ذا الجَدِّ منك الجدِّ " _أخرجه البخاري ومسلم
فلا مانع لما أعطى الله, ولا مُعطي لما منع, ولا ينفع الناس جَدُّهم وغناهم ومالهم من الله تبارك وتعالى
إنما تنفعهم أعمالهم الصالحة؛ فإنه لا فاتح لما أغلق الله سبحانه وتعالى, ولا مُغلِق لما فتح
ولا قابض لما بسط, ولا باسط لما قبض, فهو مدبر الأمور كلها
ولا عتب على الانسان في أن يفعل الأسباب المادية, أو يحاول بناء العلاقة المعتدلة المتوازنة مع الناس
ويبذل جهده وعقله في الوصول إلى ما يريد مما أحل الله سبحانه
لأن هذا من رزق الله تعالى الذي يّسَّره للعباد, وأقدرهم عليه, وأوصلهم إليه
لكن لا يجعل الانسان اعتماده على هؤلاء, وإنما يجعل اعتماده على الله عز وجل
ويسعى دائما وأبدا إلى تعميق صلته ربه, ويوقن أن مفاتيح الرزق بيده, وأن خزائن السماوات والأرض بيده
بل إن قلوب العباد وعقولهم بيده
* تأمل كيف يرزق الله سبحانه وتعالى الثعبان في جحره !
تأمل كيف يرزق الطير في وكره !
تأمل كيف يرزق السمك في بحره !
تأمل كيف يرزق مِن التمساح, وهو حيوان ضخم هائل يأكل بعض الحيوانات الكبيرة بشراهة وتوحش
ومع ذلك مكَّن الله سبحانه وتعالى العصفور؛ ليدخل في فم التمساح و يأخذ بقايا الطعام من بين أسنانه؛ ليقتات بها
والتمساح يدعه يدخل ويخرج ولا يعرض له !
فانظر إلى هذا العقد العجيب بين التمساح الضخم والعصفور الصغير, وكيف أن الله تبارك وتعالى جعل رزق العصفور من بين أسنان هذا التمساح !!
* قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أصبح منكم آمنا في سربه, معافى في جسده, عنده قوت يومه, فكأنما حِيزَت له الدنيا " _أخرجه الترمذي وابن ماجه وابن حبان
فعلى العبد أن يجمل في الطلب, وأن يقتصد ويرضى باليسير
فإذا رُزِق الإنسان طعاما يشبعه, ولباسا يواري سوأته, وشرابا يروي ظمأه, وسكنا يأوي إليه
فإن هذه من أعظم النعم
ولا تثريب على الإنسان أن يطلب ما وراء ذلك ما دام في حدود الحلال؛ فإن الله تعالى قد قسم بين الخلق أرزاقهم ووزَّعها
* إن رزق الله تبارك وتعالى عظيم, ومن رزقه : العافية, والعقل, والطعام, والشراب, والولد, والمال, والجمال, والشباب, والفتوة, والطبيعة, والإلهام
وقد اعتاد كثير من الناس أن تحصل لهم كل هذه الأشياء بشكل طبيعي معتاد
ولا يتفطنون إلى حقيقة كونها نعمة من عند الله تبارك وتعالى
بينما الإنسان صاحب القلب الحي يدرك هذا المعنى و يتأمله
* جاء رجل إلى حكيم يشتكي الفقر
فقال الحكيم للفقير : هل تبيع لي بصرك بمائة ألف دينار؟
قال : لا
قال : هل تبيع سمعك بمائة ألف دينار؟
قال : لا
قال : فيدك؟, فرجلك؟ فعقلك؟ فقلبك؟ فجوارحك؟ .... وهكذا عدَّد له, حتى بلغ الأمر مئات الألوف من الدنانير في هذا الانسان
فقال له : يا هذا إن عليك ديون كثيرة وحقوق مُثْبَتة, فمتى تؤد شكرها؟ ومع ذلك تطلب الزيادة, إن ربك تبارك وتعالى عفوٌ كريم !!
* قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكْلَةَ فيحمده عليها, أو يشرب الشَّرْبَة فيحمده عليها " _أخرجه مسلم
فمن شكر هذه النعم كلها أن تقول : الحمدلله, وقد تواطأ قلبك ولسانك وجوارحك على هذا المعنى العظيم؛ الذي هو حمد نعمة الله سبحانه وتعالى إليك
والنعم إذا شُكِرَت قرَّت, وإذا كُفِرَت فرَّت
" الوهَّاب "
جاء اسم الله " الوهَّاب " في قوله تعالى : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ } [آل عمران:8]
وقوله : { أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ } [ص:9]
وقوله : { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ } [ص:35]
فنعم الله سبحانه وتعالى لا تأتي على إحصائها قدرات البشر, كما قال عز من قائل : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النحل:18]
مائة تريليون خلية في جسدك, أليس معناها مائة تريليون نعمة من النعم ؟؟
بل داخل كل خلية العديد من النعم, وكل خلية هي عرضة لما لا يمكن إحصاؤه من الآفات والعلل التي من المحتمل أن تصيبها
ولكن الله بقدرته ورحمته يحفظها في جسد الإنسان من هذه العوارض
وهكذا لو ذهب الإنسان يُعَدِّد نعم الله تعالى المُثبَتة عليه في بدنه, لوجد أنه غير قادر على عدِّها
قد يبدأ في العد, ولكنه لن ينتهي إلى الإحصاء و الحصر
ولو افترضنا أنه انتهى منها إلى عدد؛
فكيف له أن يعدَّ نعم الله سبحانه وتعالى التي هي عبارة عن نقم دفها الله تبار وتعالى عنه وحماه منها
وكيف له أن يعدَّ نعم الله على غيره من السابقين والمعاصرين واللاحقين, وفي الكون والآفاق ؟!!
تأمل صنيعك في نعم الله عز وجل, ومدى شكرك لهذه النعم, وصَرْفك لها في طاعة الله تبارك وتعالى
واعلم أنَّ لله سبحانه وتعالى حقا في كل نعمة أعطاك :
فللفقير حق في مالك ..
وللضعيف حق في بدنك ..
وللعاجز حق في قدرتك ..
وللجاهل حق في علمك ..
ولكل أحد من الناس حق فيما تستطيع ولا يستطيعون
فاحمد الله سبحانه وتعالى الذي أقدرك على ماهم عنه عاجزون
واعتبر أن من شكر هذه النعمة أن تجعل لهؤلاء فيها حظا ونصيبا
وأن تعلم أن هذه النعمة إما أن ترحل عنك يوما من الأيام وإما أن ترحل أنت عنها
فليكن حسن ضيافتك لها أن تشكر الله سبحانه وتعالى عليها حق الشكر, وأن توظفها في طاعته
وأن لا تقول كما قال قارون حينما قال له عقلاء قومه : { لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } فردَّ عليهم : { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي }
فقال الله تعالى : { أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ } [القصص:76,78]