14 وفد بني عامر بن صَعْصَعَة:
كان فيهم عامر بن الطُّفَيْل عدو اللّه وأرْبَد بن قيس أخو لَبِيد لأمهوخالد بن جعفر، وجَبَّار بن أسلم، وكانوا رؤساء القوم وشياطينهم، وكانعامر هو الذي غدر بأصحاب بئر مَعُونة، فلما أراد هذا الوفد أن يقدمالمدينة تآمر عامر وأربد، واتفقا على الفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم،فلما جاء الوفد جعل عامر يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، ودار أربد خلفه،واخترط سيفه شبراً، ثم حبس اللّه يده فلم يقدر على سله، وعصم اللّه نبيه،ودعا عليهما النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رجعا أرسل اللّه على أربدوجمله صاعقة فأحرقته، وأما عامر فنزل على امرأة سَلُولِيَّةٍ، فأصيببغُدَّةٍ في عنقه فمات وهو يقول: أغدة كغدة البعير، وموتا في بيتالسلولية.
وفي صحيح البخاري: أن عامراً أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال:أُخَيِّرُكَ بين خصال ثلاث: يكون لك أهل السَّهْلِ ولي أهل المَدَرَ، أوأكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغَطَفَان بألف أشقر وألف شقراء، فطعن فيبيت امرأة، فقال: أغدة كغدة البعير، في بيت امرأة من بني فلان !ايتوني بفرسي، فركب، فمات على فرسه.
15 وفد تُجِيب:
قدم هذا الوفد بصدقات قومه مما فضل عن فقرائهم، وكان الوفد ثلاثة عشررجلاً، وكانوا يسألون عن القرآن والسنن يتعلمونها، وسألوا رسول اللّه صلىالله عليه وسلم أشياء فكتب لهم بها، ولم يطيلوا اللبث، ولما أجازهم رسولاللّه صلى الله عليه وسلم بعثوا إليه غلاماً كانوا خلفوه في رحالهم، فجاءالغلام، وقال: واللّه ما أعْمَلَنِي من بلادي إلا أن تسأل اللّه عز وجلأن يغفر لي ويرحمني، وأن يجعل غناي في قلبي، فدعا له بذلك. فكان أقنعالناس، وثبت في الردة على الإسلام، وذكر قومه ووعظهم فثبتوا عليه، والتقيأهل الوفد بالنبي صلى الله عليه وسلم مرة أخري في حجة الوداع سنة 01 ه.
16 وفد طيِّئ:
قدم هذا الوفد وفيهم زَيْدُ الخَيْلِ ، فلما كلموا النبي صلى الله عليهوسلم، وعرض عليهم الإسلام أسلموا وحسن إسلامهم، وقال رسول اللّه صلى اللهعليه وسلم عن زيد: (ما ذكر لي رجل من العرب بفضل، ثم جاءني إلا رأيتهدون ما يقال فيه ، إلا زيد الخيل، فإنه لم يبلغ كل ما فيه)، وسماه زيدالخير.
وهكذا تتابعت الوفود إلى المدينة في سنتي تسع وعشر، وقد ذكر أهل المغازيوالسير منها وفود أهل اليمن، والأزْد وبني سعد هُذَيْم من قُضَاعَة، وبنيعامر بن قَيْس، وبني أسد، وبَهْرَاء وخَوْلان ومُحَارِب وبني الحارث بنكعب وغَامِد وبني المُنْتَفِق، وسَلامان، وبني عَبْس، ومُزَيْنَة،ومُرَاد، وزُبَيْد، وكِنْدَة، وذي مُرَّة، وغَسَّان، وبني عِيش، ونَخْعوهو آخر الوفود، توافد في منتصف محرم سنة 11ه في مائتي رجل وكانت وفادةالأغلبية من هذه الوفود سنة 9 و 01 ه، وقد تأخرت وفادة بعضها إلى سنة 11ه.
وتَتَابُع هذه الوفود يدل على مدي ما نالت الدعوة الإسلامية من القبولالتام، وبسط السيطرة والنفوذ على أنحاء جزيرة العرب وأرجائها، وأن العربكانت تنظر إلى المدينة بنظر التقدير والإجلال، حتى لم تكن تري محيصاً عنالاستسلام أمامها، فقد صارت المدينة عاصمة لجزيرة العرب، لا يمكن صرفالنظر عنها، إلا أننا لا يمكن لنا القول بأن الدين قد تمكن من أنفس هؤلاءبأسرهم ؛ لأنه كان وسطهم كثير من الأعراب الجفاة الذين أسلموا تبعاًلسادتهم، ولم تكن أنفسهم قد خلصت بعد عما تأصل فيها من الميل إلى الغارات،ولم تكن تعاليم الإسلام قد هذبت أنفسهم تمام التهذيب.
وقد وصف القرآن بعضهم بقوله في سورة التوبة: {الأَعْرَابُ أَشَدُّكُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَاللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَعَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة:97، 98]
وأثنى على آخرين منهم فقال: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُبِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَاللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْسَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[ التوبة:99].
أما الحاضرون منهم في مكة والمدينة وثقيف، وكثير من اليمن والبحرين، فقدكان الإسلام فيهم قوياً، ومنهم كبار الصحابة وسادات المسلمين.
نجاح الدعوة وأثرها
وقبل أن نتقدم خطوة أخري إلى مطالعة أواخر أيام حياة الرسول صلى الله عليهوسلم، ينبغي لنا أن نلقي نظرة إجمالية على العمل الجلل الذي هو فذلكةحياته، والذي امتاز به عن سائر الأنبياء والمرسلين، حتى توج اللّّه هامتهبسيادة الأولين والآخرين.
إنه صلى الله عليه وسلم قيل له: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِاللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} الآيات [المزمل:1، 2]. و{ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:1، 2] الآيات،فقام وظل قائماً أكثر من عشرين عاماً يحمل على عاتقه عبء الأمانة الكبريفي هذه الأرض، عبء البشرية كلها وعبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهادفي ميادين شتى.
حمل عبء الكفاح والجهاد في ميادين الضمير البشري الغارق في أوهام الجاهليةوتصوراتها، المثقل بأثقال الأرض وجواذبها، المكبل بأوهاق الشهواتوأغلالها. حتى إذا خلص هذا الضمير في بعض صحابته مما يثقله من ركامالجاهلية والحياة الأرضية، بدأ معركة أخري في ميدان آخر، بل معاركمتلاحقة... مع أعداء دعوة اللّه المتألبين عليها، وعلى المؤمنينبها، الحريصين على قتل هذه الغرسة الزكية في منبتها، قبل أن تنمو وتمدجذورها في التربة، وفروعها في الفضاء، وتظلل مساحات أخرى... ولم يكديفرغ من معارك الجزيرة العربية حتى كانت الروم تعد لهذه الأمة الجديدة،وتتهيأ للبطش بها على تُخُومِها الشمالية.
وفي أثناء هذا كله لم تكن المعركة الأولي معركة الضمير قد انتهت، فهيمعركة خالدة، الشيطان صاحبها، وهو لا يَنِي لحظة عن مزاولة نشاطه في أعماقالضمير الإنساني، ومحمد صلى الله عليه وسلم قائم على دعوة اللّه هناك،وعلى المعركة الدائبة في ميادينها المتفرقة، في شظف من العيش، والدنيامقبلة عليه وفي جهد وكَدٍّ، والمؤمنون يستروحون من حوله ظلال الأمنوالراحة، وفي نُصُب دائم لا ينقطع، وفي صبر جميل على هذا كله، وفي قيامالليل، وفي عبادة لربه وترتيل لقرآنه، وتَبَتُّل إليه كما أمره أن يفعل.
وهكذا عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين عاماً، لا يلهيه شأنعن شأن في خلال هذا الأمد، حتى نجحت الدعوة الإسلامية على نطاق واسع تتحيرله العقول، فقد دانت لها الجزيرة العربية، وزالت غبرة الجاهلية عن آفاقها،وصحت العقول العليلة حتى تركت الأصنام بل كسرت، أخذ الجو يرتج بأصواتالتوحيد، وسمع الأذان للصلوات يشق أجواء الفضاء خلال الصحراء التي أحياهاالإيمان الجديد، وانطلق القراء شمالاً وجنوباً، يتلون آيات الكتاب،ويقيمون أحكام اللّه.
وتوحدت الشعوب والقبائل المتناثرة، وخرج الإنسان من عبادة العباد إلىعبادة اللّه، فليس هناك قاهر ومقهور، وسادات وعبيد، وحكام ومحكومون، وظالمومظلوم، وإنما الناس كلهم عباد اللّه، إخوان متحابون، متمثلون لأحكامه،أذهب اللّه عنهم عُبِّيَّةَ الجاهلية ونخوتها وتعاظمها بالآباء، ولم يبقهناك فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود إلابالتقوي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم من تراب.
وهكذا تحققت بفضل هذه الدعوة الوحدة العربية، والوحدة الإنسانية، والعدالةالاجتماعية، والسعادة البشرية في قضاياها ومشاكلها الدنيوية، وفي مسائلهاالأخروية، فتقلب مجري الأيام، وتغير وجه الأرض، وانعدل خط التاريخ، تبدلتالعقلية.
إن العالم كانت تسيطر عليه روح الجاهلية قبل هذه الدعوة ويتعفن ضميره،وتأسن روحه، وتختل فيه القيم والمقاييس، ويسوده الظلم والعبودية، وتجتاحهموجة من الترف الفاجر والحرمان التاعس، وتغشاه غاشية الكفر والضلالوالظلام، على الرغم من الديانات السماوية، التي كانت قد أدركها التحريف،وسري فيها الضعف، وفقدت سيطرتها على النفوس، واستحالت طقوساً جامدة، لاحياة فيها ولا روح.
فلما قامت هذه الدعوة بدورها في حياة البشرية، خلصت روح البشر من الوهموالخرافة، ومن العبودية والرق، ومن الفساد والتعفن، ومن القذارةوالانحلال، وخلصت المجتمع الإنساني من الظلم والطغيان، ومن التفككوالانهيار، ومن فوارق الطبقات، واستبداد الحكام، واستذلال الكهان، وقامتببناء العالم على أسس من العفة والنظافة، والإيجابية والبناء، والحريةوالتجدد، ومن المعرفة واليقين، والثقة والإيمان، والعدالة والكرامة، ومنالعمل الدائب لتنمية الحياة، وترقية الحياة، وإعطاء كل ذي حق حقه فيالحياة.
وبفضل هذه التطورات شاهدت الجزيرة العربية نهضة مباركة لم تشاهد مثلها منذنشأ فوقها العمران، ولم يتألق تاريخها تألقه في هذه الأيام الفريدة منعمرها.
حجة الوداع
تمت أعمال الدعوة، وإبلاغ الرسالة، وبناء مجتمع جديد على أساس إثباتالألوهية للّه، ونفيها عن غيره، وعلى أساس رسالة محمد صلى الله عليه وسلم،وكأن هاتفاً خفياً انبعث في قلب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، يشعره أنمقامه في الدنيا قد أوشك على النهاية، حتى إنه حين بعث معاذا على اليمنسنة 01ه قال له فيما قال: (يا معاذ، إنك عسي ألا تلقاني بعد عامي هذا،ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري)، فبكي معاذا خشعاً لفراق رسول اللّه صلىالله عليه وسلم.
وشاء اللّه أن يري رسوله صلى الله عليه وسلم ثمار دعوته، التي عاني فيسبيلها ألواناً من المتاعب بضعاً وعشرين عاماً، فيجتمع في أطراف مكةبأفراد قبائل العرب وممثليها، فيأخذوا منه شرائع الدين وأحكامه، ويأخذمنهم الشهادة على أنه أدي الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة.
أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بقصده لهذه الحجة المبرورة المشهودة، فقدمالمدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول اللّه صلى الله عليه وسلم.وفي يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة تهيأ النبي صلى الله عليه وسلمللرحيل ، فتَرَجَّل وادَّهَنَ ولبس إزاره ورداءه وقَلَّد بُدْنَه، وانطلقبعد الظهر، حتى بلغ ذا الحُلَيْفَة قبل أن يصلي العصر، فصلاها ركعتين،وبات هناك حتى أصبح. فلما أصبح قال لأصحابه: (أتاني الليلة آت منربي فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة).
وقبل أن يصلي الظهر اغتسل لإحرامه، ثم طيبته عائشة بيدها بذَرِيَرة وطيبفيه مِسْك، في بدنه ورأسه، حتى كان وبَيِصُ الطيب يري في مفارقه ولحيته،ثم استدامه ولم يغسله، ثم لبس إزاره ورداءه، ثم صلي الظهر ركعتين، ثم أهلبالحج والعمرة في مُصَلاَّه، وقَرَن بينهما، ثم خرج، فركب القَصْوَاءَ،فأهَلَّ أيضاً، ثم أهَلَّ لما استقلت به على البَيْدَاء.
ثم واصل سيره حتى قرب من مكة، فبات بذي طُوَي، ثم دخل مكة بعد أن صليالفجر واغتسل من صباح يوم الأحد لأربع ليال خلون من ذي الحجة سنة 01ه وقدقضي في الطريق ثماني ليال، وهي المسافة الوسطي فلما دخل المسجد الحرام طافبالبيت، وسعي بين الصفا والمروة، ولم يَحِلَّ ؛لأنه كان قارناً قد ساق معهالهدي، فنزل بأعلى مكة عند الحَجُون، وأقام هناك، ولم يعد إلى الطواف غيرطواف الحج.
وأمر من لم يكن معه هَدْي من أصحابه أن يجعلوا إحرامهم عمرة، فيطوفوابالبيت وبين الصفا المروة، ثم يحلوا حلالاً تاماً، فترددوا، فقال: (لواستقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت)، فحلمن لم يكن معه هدي، وسمعوا وأطاعوا.
وفي اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التَّرْوِيَة توجه إلى مني، فصليبها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر خمس صلوات ثم مكث قليلاً حتىطلعت الشمس، فأجاز حتى أتي عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بَنَمِرَة، فنزلبها، حتى إذا زالت الشمس أمر بالقَصْوَاء فرحلت له، فأتي بطن الوادي، وقداجتمع حوله مائة ألف وأربعة وعشرون أو أربعة وأربعون ألفاً من الناس، فقامفيهم خطيباً، وألقى هذه الخطبة الجامعة:
(أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً).
(إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، فيبلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهليةموضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث وكان مسترضعاًفي بني سعد فقتلته هُذَيْل وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من رباناربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله).
(فاتقوا اللّه في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة اللّه، واستحللتمفروجهن بكلمة اللّه، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلنذلك فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهنبالمعروف).
(وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب اللّه).
(أيها الناس، إنه لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم، وصلواخمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، طيبة بها أنفسكم، وتحجون بيتربكم، وأطيعوا أولات أمركم، تدخلوا جنة ربكم).
(وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: (اللهم اشهد) ثلاث مرات.
وكان الذي يصرخ في الناس بقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة ربيعة بن أمية ابن خَلَف.
وبعد أن فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من إلقاء الخطبة نزل عليه قولهتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُعَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}[المائدة: 3]، ولما نزلت بكي عمر، فقال له النبي صلى الله عليهوسلم: (ما يبكيك؟) قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأماإذا كمل فإنه لم يكمل شيء قط إلا نقص، فقال: (صدقت).
وبعد الخطبة أذن بلال ثم أقام، فصلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالناسالظهر، ثم أقام فصلي العصر، ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب حتى أتي الموقف،فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصَّخَرَات ، وجعل حَبْل المشاة بين يديه،واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتىغاب القُرْص.
وأردف أسامة، ودفع حتى أتي المُزْدَلِفَة، فصلي بها المغرب والعشاء بأذانواحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلي الفجرحين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتي المَشْعَرَالحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه، وكبره، وهلّله، ووحده، فلم يزل واقفاً حتىأسْفَر جِدّا.
فَدَفَع من المزدلفة إلى مني قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس حتىأتي بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطي التي تخرجعلى الجمرة الكبري، حتى أتي الجمرة التي عند الشجرة وهي الجمرة الكبرينفسها، كانت عندها شجرة في ذلك الزمان، وتسمي بجمرة العَقَبَة وبالجمرةالأولي فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصي الخَذْف، رمي منبطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده، ثم أعطيعلياً فنحر ما غَبَرَ وهي سبع وثلاثون بدنة، تمام المائة وأشركه في هديه،ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قِدْر، فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربامن مَرَقِها.
ثم ركب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأفاض إلى البيت، فصلي بمكة الظهر،فأتي على بني المطلب يَسْقُون على زمزم، فقال: (انزعوا بني عبدالمطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم)، فناولوه دلواًفشرب منه.
وخطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر عاشر ذي الحجة أيضاً حين ارتفعالضحي، وهو على بغلة شَهْبَاء، وعلى يعبر عنه، والناس بين قائم وقاعد ،وأعاد في خطبته هذه بعض ما كان ألقاه أمس، فقد روي الشيخان عن أبي بكرةقال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: (إن الزمان قداستدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منهاأربعة حرم، ثلاث متواليات، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضَر الذيبين جمادي وشعبان).
وقال: (أي شهر هذا؟) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنهسيسميه بغير اسمه، قال: (أليس ذا الحجة؟) قلنا: بلي؟ قال:(أي بلد هذا؟) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميهبغير اسمه، قال: (أليست البلدة؟) قلنا: بلي. قال: (فأييوم هذا؟) قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسمية بغيراسمه، قال: (أليس يوم النحر؟) قلنا: بلي. قال: (فإندماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، فيشهركم هذا).
(وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض).
(ألا هل بلغت؟) قالوا: نعم، قال: (اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فَرُبَّ مُبَلَّغ أوعي من سامع).
وفي رواية أنه قال في تلك الخطبة: (ألا لا يجني جَانٍ إلا على نفسه،ألا لا يجني جان على ولده، ولا مولود على والده، ألا إن الشيطان قد يئس أنيُعْبَد في بلدكم هذا أبداً، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم،فسيرضى به).
وأقام أيام التشريق بمني يؤدي المناسك ويعلم الشرائع، ويذكر الله، ويقيم سنن الهدي من ملة إبراهيم، ويمحو آثار الشرك ومعالمها.
وقد خطب في بعض أيام التشريق أيضاً، فقد روي أبو داود بإسناد حسن عنسَرَّاءِ بنت نَبْهَانَ قالت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومالرءوس، فقال: (أليس هذا أوسط أيام التشريق). وكانت خطبته في هذااليوم مثل خطبته يوم النحر، ووقعت هذه الخطبة عقب نزول سورة النصر.
وفي يوم النَّفْر الثاني الثالث عشر من ذي الحجة نفر النبي صلى الله عليهوسلم من مني، فنزل بخِيف بني كِنَانة من الأبْطَح، وأقام هناك بقية يومهذلك، وليلته، وصلي هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة، ثمركب إلى البيت، فطاف به طواف الوداع، وأمر به الناس.
ولما قضي مناسكه حث الركاب إلى المدينة المطهرة، لا ليأخذ حظاً من الراحة، بل ليستأنف الكفاح والكدح لله وفي سبيل الله.
فلام بان10 فليم بان10 العب بان10 فلم بان10 العب_سيرة ألعب سيرة العب سيرة منيبرك صور بان10 العبسيرة العبسيره لعبسىرة الع ب سيرة فلام بان10 فيلم بان10